شغف العلم الذي لا ينتهي

سموم الأفاعي , تكوينها الكيميائي وكيف نستفيد منها طبياَ ؟ - ساينسوفيليا

 

 سموم الأفاعي

بقلم/ منة الله صفوت
مراجعة علمية /د : هبة هاشم


من المعروف أن معظم الأفاعي تنتج أنواع مختلفة من السموم و التي تختلف تبعاً لنوع الأفعى، و تستخدم الأفاعي سمومها لشل حركة الفريسة و هناك أيضاً بعض من الأفاعي تستخدم تلك السموم لتسهيل هضم الفريسة، و تنتج الأفاعي هذه السموم من الغدد اللعابية و تعمل على دفعها داخل جسم الفريسة باستخدام أنيابها، و قد قام العلماء باكتشاف التكوين الكيميائي لهذه السموم و تصنيفها تبعاً للأثار التي تظهر على الضحية، مما أدى ذلك إلى الاستفادة من هذه السموم و صنع أدوية و عقاقير منها.

سموم الأفاعي , تكوينها الكيميائي وكيف نستفيد منها طبياَ ؟ - ساينسوفيليا

سنتناول باختصار أشهر أنواع سموم الأفاعي و تكوينها الكيميائي و كيفية الاستفادة الطبية منها، و سوف نتحدث أيضاً عن الترياق في حالة الإصابة و الاسعافات الأولية الواجب معرفتها.

التكوين الكيميائي لسموم الأفاعي:

تحتوي سموم الأفاعي على العديد من المركبات المختلفة قد تصل لأكثر من مائة مركب، و أشهر هذه المركبات هي البروتينات و البيبتيدات و الانزيمات، كما تحتوي على نسب من الكربوهيدرات و بعض الأحماض الامينيه و الدهون و بعض المعادن مثل الصوديوم و الزنك و و الكالسيوم و الكادميوم. تختلف نسبة هذه المواد و طبيعتها باختلاف نوع الأفعى و عمرها و جنسها و طبيعة تغذيتها.

تعتبر الانزيمات من أهم المواد الموجودة فى السموم، و يوجد حوالي 20 نوع مكتشف في الأنزيمات، إلا أنها لا توجد كلها في النوع الواحد من السموم، و من أمثلتها:

  • كولين استراز((Cholinesterase: 
    يعمل على مهاجمة الجهاز العصبي كما يعمل على ارخاء عضلات الفريسة،و يؤدي ذلك إلى الوفاة في غضون ثلاثين دقيقة إذ لم يتم إسعاف الحالة و إعطاء الترياق المناسب.

  • فوسفوليباز أ2 (Phospholipase A2): 
    هو مثل الكولين استراز في التأثير، حيث يرتبط بمستقبلات الاسيتيل كولين مما يمنع ارتباط هذه المستقبلات بالاسيتيل كولين و يوقف نشاطها، و هذا يؤدي الى ارتخاء العضلات و شللها و عند حدوث ذلك في الرئة تموت الفريسة بسبب الاختناق. 

  • أكسيداز الحمض الاميني  (L-amino acid oxidase): 
    يعمل هذا الانزيم على تسريع عملية الأكسدة لبعض الأحماض الأمينية ، و هذه الانزيمات أيضاً مسؤولة عن اللون الأصفر لسموم الأفاعي.

  • انزيم الهيالورونيداز (Hyaluronidases): 
    تزيد من سرعة تكسير الروابط في عديدات السكر المخاطية (mucopolysaccharide) في الأنسجة الضامة، مما يعمل على تسريع تدفق و انتشار السم.

  • انزيمات البروتياز أو البيبتيداز (Proteases): 
    تعمل هذه الانزيمات على سرعة التفاعل الذي يساعد على تكسير الروابط الببتيدية في الخلايا، مما قد يؤدي إلى تدمير جدر الأوعية الدموية مما يؤدي إلى النزيف، كما يعمل على اتلاف النسيج العضلي للفريسة.

  • أدينوسين ثلاثي الفوسفاتيز (Adenosine triphosphatase): 
    يتواجد هذا الانزيم في معظم سموم الأفاعي، و يؤدي دخول هذا الانزيم في جسد الفريسة إلى صدمة، و يؤثر خاصة على الكائنات الصغيرة مما يمنع حركتها تماماً.

  • الانزيمات المشابهة للثرومبين (Thrombin like enzymes): 
    تثبط هذه الانزيمات تجلط الدم، و يؤدي ذلك الى زيادة نسبة سيولة الدم و نزيف الفريسة.

  • محفزات الببتيد براديكينين (Peptide bradykinin potentiators): 
    تزيد من استجابة الجسم لأي اصابة، حيث تعمل على زيادة تمدد الأوعية الدموية و زيادة نفاذيتها، تعمل على تحفيز مستقبلان الألم وزيادة انقباض بعض العضلات الملساء، مما يؤدي إلى سرعة تدفق السم داخل الدم و زيادة النزيف مما يمنع الفريسة من الهرب.

  • سموم عديدة البيبتيد (Polypeptide toxins): 
    تؤدي الى خلل مباشر في النواقل العصبية، مما يؤدي في العادة الى أزمة قلبية او توقف التنفس، فهذه السموم أحد أخطر الأنواع و توجد في الافاعي الأكثر سمية مثل الافعى المجلجلة (Rattlesnake)، و أيضا أفعى الكوبرا (Cobra).

و هناك العديد من المواد و المعادن التي لها علاقة بآلية عمل سموم الافاعي مثل الكالسيوم و الذي يعمل على تنشيط بعض الانزيمات الموجودة في السم، و الكادميوم و الذي يعمل على تثبيط النشاط الحيوي لانزيمات معينة في جسد الفريسة.

و عند دراسة تأثير هذه المواد المختلفة على الجسم، قام العلماء بتصنيف سموم الثعابين إلى عدة أنواع تبعاً لتأثيرها الحيوي على جسم الفريسة و أعراضها الى:

 1.  سموم عصبية (neurotoxins):

و هي سموم تغلق القنوات الأيونية (Ion channel blocher) أو المستقبلات المختلفة (Receptor blocker). تعد السموم العصبية من اقوى الأنواع و أخطرها، حيث تعمل على منع وصول الإشارات العصبية للخلايا و العضلات مما يعمل على شلل في هذه الاعضاء، و الذي يعد سبب رئيسي للوفاة. هناك ثلاثة أنواع من السموم العصبية تبعاً لمكان تأثيرها:

  • أولًا: سموم تؤثر قبل التشابك العصبي (Presynaptic Neurotoxins): 
    و هذه السموم تؤثر على خروج  الاسيتيل كولين (acetylcholine)، مما يمنع انتقال التيارات العصبية في الوصلات العصبية-العضلية دون التأثير على حساسية النهايات العصبية، و يعمل على فشل في الجهاز التنفسي و الأختناق، و الذي ينتهي بالوفاة.

  • ثانيًا: سموم تؤثر بعد التشابك العصبي (Postsynaptic Neurotoxins): 
    تمنع فتح القنوات الأيونية و تشوش السيالات العصبية للخلايا العضلية عن طريق الأرتباط بالمستقبلات المتواجدة بعد التشابك العصبي و التي تعرف باسم مستقبلات الاسيتيل كولين النيكوتينية (nicotinic acetylcholine receptors) (nAChRs) و المتواجدة في التشابك العصبي-العضلي، و الذي يؤدي أيضا إلى الاختناق و الموت. تتكون هذه السموم من 60 إلى 74 حمض أميني مع وجود من 4 إلى 5 روابط من ثنائي الكبريتيد (Disulphide bridges).

  • ثالثًا: سموم تؤثر على الخلايا الشجرية (Dendrotoxins):
    هو سم لا يحتوي على انزيمات بل البروتينات، و هو يتكون من حوالي من 57 الى 60 حمض أميني مع وجود 3 روابط من ثنائي الكبريتيد (disulphide bridges). هذه السموم تؤثر بشكل أساسي على قنوات البوتاسيوم العصبية.

2.   السموم الدموية:

من هذه السموم ما تعمل كمضادات التجلط (anticoagulant) ومنها ما يعتبر محفزات للتجلط (procoagulant) أو كانزيمات محلله للفيبرين (fibrinolysis) أو تعمل على تحليل الدم (hemolysins). 

تعمل السموم الدموية بواحد من الطرق السابقة ففي حالة محفزات التجلط تحتوي هذه السموم على العديد من عوامل التجلط و محفزات البروثرومبين (prothrombin). أثناء عملية التجلط فإن عوامل التجلط مع أيونات الكالسيوم و الدهون الفوسفورية (phospholipid) تنشط البروثرومبين، مما يعمل على تنشيط الفيبرين (phospholipid) و تكون الجلطات، مما يغلق الدورة الدموية و قد يؤدي إلى ازمة قلبية و وفاة الفريسة.

وفي حالة مضادات التجلط فإنها تمنع عملية التجلط و تزيد السيولة و من ثم تؤدي للنزيف، هذه السموم تعمل على تنشيط بروتين C و تثبيط مضادات التجلط و البروثرومبين، و من اهم الانزيمات الموجودة في السم و التي تساعد في هذه العملية بعض أنواع الفوسفوليباز أ2 (Phospholipase A2).

3.  السموم الخلوية (Cytotoxins):

 هذه السموم تؤدي إلى تدمير الخلية، مما قد يؤدي عند انتشارها إلى تدمير أنسجة و أعضاء الجسم و تعرف هذه العملية باسم النخر (Necrosis). حيث تعمل هذه السموم على تدمير جدار الخلية مما يؤدي لموت هذه الخلية. قد تؤدي هذه السموم إلى إذابة جزء من الخلايا أو كل الخلايا، لذلك تستخدم الافاعي هذه السموم لمساعدتها على الهضم الجزئي للفريسة قبل ابتلاعها.

و مما سبق ذكره يتضح أن الثعابين تحقن فريستها بالسم و من ثم تلتهمها، فهل الأفعى لاتتأثر بالسم الخاص بها؟

لقد ذكرنا في البداية أن هذه السموم تحتوي بنسبة كبيرة على بروتينات سواء كانت تعمل كانزيمات أم لا وهذه البروتينات عند ابتلاعها عن طريق الفم فهي غير مؤذية حيث يتم تكسيرها عن طريق الأحماض المعدية الى أحماض امينية، و بالتالي فان الخطورة كلها تكمن عند حقنها في الدم.

كما ان الأفاعي السامة لديها مضادات لسمومها الخاصة، و بالتالي يمكن استخراج الترياق من جسد الأفعى.

و الترياق هو مضاد السم، و يتواجد في المستشفيات و مراكز السموم ، و مع ذلك هناك الالاف ممن يموتون كل عام بسبب هذه السموم.

إذا ما هي الاجراءات المتبعة و الاسعافات الاوليه لمن أصاب بالسم حتى وصول الإسعاف؟

  • كلما كان أخذ الترياق أسرع كلما كانت نسبة التحسن أعلى و نسبة الوفاة أقل، و بالتالي فإن أول شئ يجب أن يتم هو الأتصال بالإسعاف و وصف الحالة و إن أمكن معرفة نوع الثعبان فهذا يزيد من نسبة دقة الترياق.

  • ثانيا: يجب تهدئة الشخص المصاب لأن الذعر يزيد من سرعة تدفق الدم و بالتالي سرعة أنتشار السم، و يجب خلع أي حلي من ساعة و نحوه لئلا تضغط على الجلد في حالة حدوث التهابات.

  • ثالثا: يجب وضع المنطقة المصابة في ارتفاع منخفض عن القلب، مع ربط المنطقة المصابة و الإحكام عليها للإبطاء من انتشار السم.

  • لا يجب أبدا محاولة إخراج الدم من المنطقة المصابة أو وضع الثلج على هذه المنطقة، لأن كل ذلك سوف يساعد فقط على سرعة انتشار السم.

من كل ما سبق يظهر كيف ان سموم الافاعي خطيرة و مخيفة فهل اكتفى العلماء فقط بمعرفة المواد الموجودة في هذه السموم فقط لاستخلاص الترياق:

منذ قديم الأزل و الانسان يستخدم كل المواد التي لها تاثيرات على الجسم لصنع علاجات و أدوية لمختلف الأمراض ، و قد أصبح هذا العلم علما مستقلا عرف بالعلم الصيدلاني، و الذي يرمز له بالافعى التي تصب سمها في الكأس، حيث ان الافعى كانت تعتبر إله الأدوية عند اليونانيين قديما. و خلال العقود الماضية بدأت أفكار العلماء تتجه نحو استخراج علاجات مختلفة من سموم الافاعي.

  1.  في عام 1975 صُنِعَ الكابتوبريل (Captopril): 

    و الذي يعد أول عقار رسمي يتم تطويره من سموم الأفاعي، و يستخدم هذا العقار بشكل أساسي لخفض ضغط الدم (Antihypertensive) في مرضى الضغط المرتفع. يعمل هذا الدواء عن طريق تثبيط الأنزيم المسؤول عن تحويل الانجيوتينسين (angiotensin converting enzyme) (ACE Inhibitor) و الذي يمنع تحويل انجيوتينسين1 الى انجيوتينسين2، مما يؤدي الى انخفاض ضغط الدم  نتيجة اتساع الشرايين بشكل اساسي مع تقليل عمل الجهاز السيمبثاوي (sympathetic effects) و تحسين خروج الماء و الصوديوم عن طريق الكلى، لذلك يستعمل أيضا في أمراض الكلى و في حالات فشل القلب في الحالات المصابة باحتشاء عضلة القلب (myocardial infarction) أو السكتة القلبية.

  2. بعد الموافقة و النتائج الناجحة للكابتوبريل تم إنتاج عقارانتيجريللين (Integrillin): 

    هو دواء مستخرج من السموم الدموية للأفاعي و يعمل كمضاد للسيولة، و يستخدم مع مرضى القلب لتقليل احتمالية حدوث جلطات و نوبة قلبية، و هذا الدواء موجود على هيئة حقن لأنه يتكون من بروتينات غنية بالحمض الأميني السيستايين (cysteine) مما يؤدي لتكسره بالحمض المعدي إذا تم اخذه عن طريق الفم.

  3.  دواء الديفيبراز (Defibrase): 
    و يستخدم في حالات السكتة الدماغية و الذبحة الصدرية و الانسداد الرئوي و انسداد الشرايين، و هناك العديد من أدوية السيولة على الاخص المستخرجة من سموم الثعابين.

  4. واجليرينز (waglerins): 
    عبارة عن مجموعة من سموم الأفاعي العصبية و قد تم استخدامها كمضادات لتجاعيد البشرة حيث تعمل على ارخاء عضلات البشرة، و تستخدم في عدد من منتجات التجميل.

هذه المواد و نحوها يتم في البداية استخراجها من الافاعي و معرفة تركيبها و تأثيرها و نحوه، ثم تصنيعها بشكل كامل في مصانع الأدوية و مستحضرات التجميل. و هناك العديد من المواد و التي ما تزال الدراسات قائمة عليها لاستخدامها في العلاج او لاستخدامها ككواشف لأمراض معينة، لذلك علم السموم يعد من العلوم الواعدة و هو علم خطير في ذات الوقت.

المراجع:

ليست هناك تعليقات