شغف العلم الذي لا ينتهي

الصلابة النفسية psychological rigidity - ساينسوفيليا

 

 "الصلابة النفسية psychological rigidity"

بقلم: أسماء دهب محمد صديق
مراجعة : شيماء إبراهيم عباس 

الصلابة النفسية psychological rigidity - ساينسوفيليا


إن الضغوط ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية، يشعر بها الإنسان في أوقات ومواقف مختلفة، تتطلب منه توافقا أو إعادة توافق مع البيئة. 
وهذه الظاهرة شأنها شأن معظم الظواهر النفسية كالقلق، والإحباط، والعدوان وغيرها، وبالتالي لا نستطيع الهروب منها أو أن نكون بمنأى عنها، لأن ذلك يعني نقص فعاليات الفرد وقصور كفائته، ومن ثم الإخفاق في الحياة فلا حياة بدون ضغوط وحيث توجد الحياة توجد الضغوط.

وقد أشارت کوباز إلى أن تعرضنا للضغوط أمر حتمي لا مفر منه، فواقع الحياة محفوف بالعقبات والصعوبات وأشكال الفشل والنكسات والظروف غيرالمواتية، ونحن لا نستطيع تجنب الفشل أو الإحباط أو الشعور بالاغتراب، ولا يمكننا الهروب من متطلبات التغيير في النمو الشخصي في أي مرحلة من مراحل حياتنا المعاصرة، أي لا حياة بدون ضغوط وحيث توجد الحياة توجد الضغوط.

وقد قدمت لنا كوباز في أبحاثها، مفهوم جديد، وهو الصلابة النفسية، أو ما يطلق عليه الصلابة الشخصية، أو الصلابة المعرفية، في سنة 1979، 

قدمت لنا، سوزان سي. كوباسا، مفهوم الصلابة النفسية العام على انه نمط من سمات الشخصية التي يمتاز بها  المديرين في الاعمال الذين درستهم، وهم الذين ظلّوا يتمتعون بصحة جيدة رغم تعرّضهم لضغوط الحياة، مقارنةً بأولئك الذين عانوا من مشاكل صحية في السنوات الموالية.

مفهوم الصلابة النفسية:-

  • الصلابة النفسية لغة:

صلب أي شديد صلب الشيء صلابة فهو صلبة وصلب أي شديد ويرجع هذا التعريف إلي (بن منظور).

  • التعريف الاصطلاحي للصلابة النفسية:

يعود هذا المفهوم إلى کوبازا (1979.Kobasa) حيث توصلت لهذا المفهوم من خلال سلسلة من الدراسات والتي استهدفت معرفة المتغيرات النفسية التي تكمن وراء احتفاظ الأشخاص بصحتهم النفسية والجسمية رغم تعرضهم للضغوط.

وتعرف کوبازا (Kobasa) الصلابة النفسية بأنها مجموعة من السمات تتمثل في اعتقاد أو اتجاه عام لدى الفرد في فاعليته وقدرته على استغلال كل المصادر النفسية والبيئية المتاحة كي يدرك بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة الشاقة إدراكا غير محرف أو مشوه، ويفسرها بواقعية وموضوعية ومنطقية، ويتعايش معها على نحو ايجابي، وتتضمن ثلاثة أبعاد وهي -الالتزام، التحكم، والتحدي".

تعريف ( البهاص، 2002: 391) :

يعرف البهاص الصلابة النفسية بأنها " إدراك الفرد وتقبله للتغيرات أو الضغوط النفسية التي يتعرض لها فهي تعمل كوقاية من العواقب الحسية و النفسية للضغوط وتساهم في تعديل العلاقة الدائرية التي تبدأ بالضغوط و تنتهي بالتعب النفسي باعتباره مرحلة متقدمة من الضغوط.

ويلاحظ من تلك التعريفات إجماع علماء النفس والأبحاث على كون الصلابة النفسية مصدر من المصادر الشخصية الذاتية لمقاومة الآثار السلبية لضغوط الحياة والتخفيف من آثارها على الصحة النفسية والجسمية حيث يتقبل الفرد التغيرات والضغوط التي يتعرض لها و ينظر لها على أنها نوع من التحدي وليس تهديدا فالتالي يركز جهوده على الأعمال التي تؤدي غرضا معينا و تعود عليه بالفائدة.

أهمية الصلابة النفسية:

 تخفف من حدة الضغوط التي تواجه الفرد، ويمكن فهم العلاقة من خلال فحص أثر الضغوط على الفرد، حيث ترى أن استثارة الأحداث الضاغطة تقود إلى سلسلة من الارجاع تؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي الذاتي والضغط المزمن يؤدي فيما بعد إلى الإرهاق وما يصاحبه من أمراض جسمية، واضطرابات نفسية، وهنا تأتي دور الصلابة النفسية في تعديل العملية الدائرية، والتي تبدأ بالضغط وتنتهي بالإرهاق.

وقد  أجريت العديد من الأبحاث التي أظهرت أن الصلابة ترتبط بكل من الصحة الجسمية و النفسية.

وقد وجد كل من مادي وكوبااز  أن الأشخاص ذوي الصلابة النفسية المرتفعة يكونون أكثر قدرة على الاستفادة من أساليب مواجهتها للضغوط بحيث تفيدها في خفض تهديد الأحداث الضاغطة من خلال رؤيتها من منظور واسع وتحليلها الى مركباتها الجزئية ووضع الحلول المناسبة لها.

وتعمل الصلابة أيضا كجدار يحميك و يقيك من الإصابة بكل من الاضطربات النفسية او الجسدية، فالفرد ذو الشخصية الصلبة يتعامل بصورة فعالة مع الضغوط، كما يميل إلى التفاؤل والتعامل المباشر مع مصادر الضغط، ولذلك يستطيع تحويل المواقف الضاغطة إلى مواقف أقل تهديدا، وبالتالي فإن الصلابة النفسية لها خصائص.

خصائص الصلابة النفسية:

يجمع العديد من المختصين على أن خصائص الصلابة النفسية يتمثل بما يلي

  1. الإحساس بالالتزام: أي النية لدفع النفس للانخراط في أي مستجدات تراجعهم.

  2. الإيمان بالسيطرة: أي الإحساس بأن الشخص نفسه هو سبب الحدث الذي حدث في حياته، وأن الشخص يستطيع أن يؤثر في بيئته.

  3.  الرغبة في إحداث التغيير ومواجهة الأنشطة الجديدة:التي تكون بمثابة فرص للنماء والتطوير.

  • أولا: خصائص الأشخاص ذوي الصلابة النفسية المرتفعة:

توصلت کوبازا إلى أن الأفراد المتمتعين بالصلابة النفسية يتميزون بالخصائص الآتية:-

  1.  القدرة على الصمود والمقاومة.

  2.  لديهم إنجاز أفضل.

  3. ذوي وجهة داخلية للضبط.

  4.  أكثر اقتدار ويميلون للقيادة والسيطرة.

  5.  أكثر مبادأة ونشاطا وذو دافعية أفضل.

  • ثانيا: خصائص ذو الصلابة النفسية المنخفضة:

  1. عدم الشعور بهدف لأنفسهم ولا بمعنى لحياتهم.

  2.  لا يتفاعلون مع بيئتهم بإيجابية.

  3. يتوقعون التهديد المستمر والضعف في مواجهة الأحداث الضاغطة.

  4. يتصلون بثبات الأحداث الحياتية، ولا يعتقدون بضرورة الإرتقاء.

  5.  سلبيون في تفاعلهم مع بيئتهم.

  6. عاجزون عن تحمل الأثر السيء لأحداث الضاغطة.

وبعد أن تعرفنا علي خصائص الصلابة النفسية بالنسبة للأفراد ننتقل الآن إلي معرفة الفرق والعلاقة بين الصلابة النفسية والمناعة النفسية.

الفرق بين الصلابة النفسية و المناعة النفسية:-

يقصد بالمناعة النفسية: قدرة الفرد على مواجهة الأزمات والكروب وتحمل الصعوبات والمصائب، ومقاومة ما ينتج عنها من أفكار ومشاعر غضب وسخط وعداوة وانتقام، أو أفكار ومشاعر يأس وعجز وتشاؤم. 

فالمناعة النفسية هي حصانة نفسية تصقلها البيئة من خلال الخبرات التي يتعلمها من مواجهة الضغوطات، أي أن المناعة مفهوم متداخل جدا مع مفهوم الصلابة النفسية ويحمل نفس المعنى تقريبا.

وبعد أن تم التفريق بين الصلابة النفسية والمناعة النفسية ننتقل إلي التفريق بين التوافق النفسي والصلابة النفسية.

الفرق بين التوافق النفسي و الصلابة النفسية:-

 تؤثر الصلابة النفسية على القدرات التكيفية، فالناس ذوي الصلابة المرتفعة عندهم كفاءة ذاتية أكثر، ولديهم قدرات إدراكية لضغوطات الحياة على أنها أقل ضغطة، ولديهم استجابت تكيفية أكثر. 

فالصلابة النفسية تساعد على التوافق الشخصي، والاجتماعي، والمهني، والزواجي، حيث أن الصلابة تجعل الإنسان في حالة رضا عن نفسه، وتعطيه القدرة لمعرفة إمكاناته وقدراته وتوجيهها نحو أهداف يستطيع تحقيقها بالفعل، وكذلك فهي تساعده على إقامة علاقات جيدة مع الآخرين في البيئة المحيطة، سواء كان ذلك في محيط الأسرة، أو محيط العمل والمهنة، فهو دائما قادر على مواجهة جميع الظروف والتكيف معها مهما كانت قسوتها وصعوبتها.

طرق لزيادة الصلابة النفسية:

إن الصلابة النفسية كما ذكرنا سابقًا تتضمن الصلابة النفسية 3 أبعاد:

حيث يمكن إرجاع الصلابة النفسية بصفتها بنية شخصية أو سمة من سمات الشخصية إلي ثلاثة مركبات أو أبعاد هي:

  • ️ الإلتزام Commitment:

ودا عبارة عن نوع من التعاقد النفسي يلتزم بة الفرد تجاه نفسه  والآخرين لتحقيق ما يريده (مخيمر، ٢٠٠٢، ص ٦)، ويعتبر عنصر الإلتزام من أكثر مكونات الصلابة النفسية ارتباطا بالدور الوقائي للصلابة بوصفها مصدراً لمقاومة الضغوطات النفسية، 
ويعني الإلتزام: الرغبة في العمل بهمة ونشاط كبيرين مع الإحساس بأهمية وقيمة الأنشطة التي يؤديها الفرد، والإلتزام يتكون من مجموعة أبعاد، حيث يتكون من:-

  1. بعد الإلتزام نحو الذات: ويقصد به إتجاه الفرد نحو معرفة ذاته وتحديد أهدافة الخاصة في الحياة وتحديد إتجاهاته الإيجابية علي نحو يميزة عن الآخرين.

  2. بعد الإلتزام نحو العمل: ويقصد به إعتقاد الفرد بقيمة العمل وأهميتة سواء له أو للآخرين واعتقاده بضرورة الإندماج في محيط العمل وكفاءته في إنجاز الأعمال الموكلة له وضرورة تحمله مسؤليات العمل والإلتزام.

  3. بعد الإلتزام الديني: ويقصد به إلتزام الفرد بعقيدة الإيمان الصحيح، وظهور ذلك في سلوكياته بممارسة ما يأمر به الله وما ينهي عنه.
  4.  بعد الإلتزام الأخلاقي: ويقصد به إلتزام الفرد بالقيم والأخلاقيات التي ترجع في أصلها إلي الأديان والعقائد.

  5.  بعد الإلتزام القانوني: ويقصد به إعتقاد الفرد بضرورة الأنصياع لمجموعة القواعد والأحكام العامة وتقبل تنفيذها بواسطة السلطة المختصة لما تمثله من أسس منظمة السلوكيات العامة داخل المجتمع (فاتح، ٢٠١٥، ٤٩).

  •  التحكم Control:

ويقصد به مدي إعتقاد الفرد بأنه يمكن أن يتحكم فيما يلقاه من أحداث، ويتحمل المسؤولية الشخصية عما يحدث له (مخيمر، ١٩٩٦، ص٢٨٣)، ويمكن الإعتقاد بأن الفرد ليس عاجزاً أو فاقداً للعون ولكنه يمكن أن يؤثر في العديد من الأحداث، وله القدرة علي التحكم في الظروف الشخصية، ويتضمن التحكم أربع صور رئيسية هي:

  1.  القدرة علي إتخاذ القرارات والإختيار بين بدائل متعددة: حيث يحسم هذا التحكم بإتخاذ قرار طريقة التعامل مع الموقف بإختيار بديل من البدائل (تجنب الموقف- إنهاء الموقف- محاولة التعايش مع الموقف)، ولذا يرتبط هذا التحكم بطبيعة الموقف وطريقة حدوثة.

  2.  التحكم المعرفي: ويقصد به القدرة علي إستخدام بعض العمليات الفكرية بكفاءة عند تعرض الفرد للمواقف، كالتفكير بالموقف، والتعامل بصورة منطقية وواقعية، واستخدام كافة المعلومات المتاحة عن الموقف.

  3.  التحكم السلوكي: وهو قدرة الفرد الفعالة علي المواجهة وبذل الجهد مع دافعية كبيرة للإنجاز والتحدي، والقدرة علي التعامل مع الموقف بصورة ملموسة.

  4.  التحكم الإسترجاعي: حيث يرتبط هذا التحكم بمعتقدات الفرد وإتجاهاته السابقة عن الموقف وطبيعته، حيث يؤدي إسترجاع الفرد لمثل هذة المعتقدات إلي تكوين انطباع محدد عن الموقف، ورؤيته علي أنه موقف ذو معني .

  • التحدي Challenge:

ويعني هذا إعتقاد الفرد بأن التغيير في الأحداث شئ عادي، وهو إعتقاد الفرد بأن ما يطرأ من تغيير علي جوانب حياتة هو أمر مثير وضروري أكثر من كونه تهديدا له، مما يساعد الفرد علي إكتشاف البيئة ومعرفة المصادر النفسية والإجتماعية التي تساعده علي مواجهة الضغوط بفاعلية والتي تمدة بالقوة والمقاومة، هذا بالإضافة إلي العوامل أو المصادر الخارجية (مخيمر، ٢٠١٥، ص٢٢).

فالصلابة النفسية تعمل كمتغير مقاومة وقائي، حيث تقلل من الإصابة بالإجهاد الناتج عن التعرض للضغوط، وتزيد من إستخدام الفرد لأساليب التعايش الفعال، ولمصادره الشخصية والإجتماعية المناسبة حيال الظروف الضاغطة.

لذا لكي تكون لديك صلابة نفسية، يجب أن تمرن ذاتك على الإلتزام والتحكم في انفعالاتك وعقلك وتحديث نفسك.

فالصلابة النفسية تعمل كمتغير مقاومة وقائي، حيث تقلل من الإصابة بالإجهاد الناتج عن التعرض للضغوط، وتزيد من إستخدام الفرد لأساليب التعايش الفعال، ولمصادره الشخصية والإجتماعية المناسبة حيال الظروف الضاغطة.

لذا لكي تكون لديك صلابة نفسية، يجب أن تمرن ذاتك على الإلتزاموالتحكم في انفعالاتك وعقلك وتحديث نفسك.

إبدأ بالبحث عن هؤلاء الثلاث، وأعمل على تقويتهم، وفي النهاية ستكون لديك صلابة نفسية.

المصادر العربية:

  • مخيمر، عماد محمد (1996)- إدراك القبول/ الرفض الوالدي وعلاقته بالصلابة النفسية لدي طالب الجامعة. مجلة الدراسات النفسية.
  • محمد يوسف(1999). الضغوط النفسية لدي المعلمين وحاجاتهم الإرشادية. مجلة مركز البحوث التربوية، جامعة قطر.
  • مخيمر، عماد (2002)، مقياس الصلابة النفسية، مكتبة الأنجلو المصرية.
  • عبد السلام، محمد أحمد (1982) القياس النفسي والتربوي، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية.
  • حمادة لؤلؤة وعبد اللطيف حسين، (2002): الصلابة النفسية والرغبة في التحكم لدي طلبة الجامعة، مجلة الدر النفسية، المجلد 2، العدد 2.
  • أبو الندي عبدالرحمان(2007): الصلابة النفسية وعلاقتها بطغوط الحياة، قسم علم النفس، جامعة الأزهر مصر.
  • الشمري، محمد بحل منور(2014). الضغوط النفسية وعلاقتها بالصلابة النفسية لدي المصابين ببعض الاضطرابات الجسمية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
  • محمد بن عبد الله محمد العيافي، (2011)، الصلابة النفسية وأحداث الحياة.

المصادر الأجنبية:

  • Kopasa.S.C.Maddi .S.R. Paccuti (1985) : Effecttiveness of hardines .exercise and social supportas ressourcesagainst .JORNAL of Psychosomatique Research, No : 29.
  • Kopasa (1982): Hardiness and Health: A Prospective study. Journal Of personnalité and social psychologie, vol 42.


ليست هناك تعليقات