شغف العلم الذي لا ينتهي

تقنيات رهيبة في عيون الطيور - ساينسوفيليا

تقنيات رهيبة في عيون الطيور


الدكتور: تميم الشحنة

كان البشر ولا يزالون بطبيعتهم يميلون إلى حب الاكتشاف لكنهم وقفوا حائرين أمام تركيب ووظائف العين عند الطيور وقدراتها الهائلة ولم يكتشفوا سوى القليل

أولًا: لمحة عن بعض تقنيات العين عند الطيور:
فالطيور تمتلك نظامًا لتحديد المواقع أكثر تعقيدًا من نظام تحديد المواقع العالمي(GPS) وهذا ما يعطينا إجابة بسيطة لتساؤلنا حول كيفية تحديد الطيور لوجهاتها ففي الأيام الصافية مثلًا تعتمد الطيور على الشمس لتحديد اتجاهاتها .

ليس هذا فقط إنما أيضًا فإن الطيور تعرف خط سير الشمس في مختلف ساعات النهار  وفي الأجواء الملبدة بالغيوم فيمكنها أن تستخدم الحقل المغناطيسي للأرض في تحديد اتجاهاتها وإن كانت لها طريقتها الخاصة التي تختلف بعض الشيء عما نقوم به نحن البشر باستخدام البوصلة ولكن لا تظن أنه بإمكانك خداع تلك الطيور فهي قادرة على اكتشاف الخلل بحيث أنك لو وضعت الطيور تحت قبة سماوية اصطناعية فيها نجوم مشابهة للحقيقية تمامًا ولكنت بغير مواضعها الطبيعية فسوف تستطيع الطيور اكتشاف الخلل وتحدد اتجاهاتها بوساطة الحقل المغناطيسي ولن تستطيع خداعها إطلاقًا.

 وإن من المحير فعلًا هو أن وزن كرتي العين مجتمعتين في أغلبية الطيور يفوق وزن الدماغ وهذا الأمر قد دفع الكثيرين للاعتقاد بالتطور الهائل للعين وملحقاتها عند الطيور.

 إن للطيور طريقتها في تحديد الالوان والأطياف الضوئية تختلف كل الاختلاف عن بقية الحيوانات الأخرى فالطيور تمتلك ما يسمى الرؤية الرباعية للالوان في حين أن عين الإنسان تمتلك ثلاثة أنواع من من المخاريط فقط لتمييز الالوان الأخضر والأزرق والأحمر بتدرجاتها المختلفة .
ونجد أن بعض الحيوانات كالكلاب والقطط ذات تمييز ضعيف للالوان ولا ترى هذه الالوان الثلاثة على العكس تمامًا مما هو عليه الحال عند الطيوروبعض الزواحف والبرمائيات والأسماك وأيضًا النحل والفراشات فالطيور تستطيع رؤية الوان لا يمكن للبشر تمييزها وتمتد لأطياف الأشعة فوق البنفسجية 

 يمتلك البشر والعديد من الكائنات الحية الأخرى آلية خاصة لتثبيت الصورة على شبكية العين لأكبر قدر ممكن من الوقت ولكي نفهم تلك الآلية دعونا نجري تجربة بسيطة وهي كالتالي|: 
قم بتركيز نظرك على كلمة (بصر) والآن حرك رأسك لأعلى وأسفل ثم يمينًا ويسارًا مع استمرار تركيزك على الكلمة فلن تلاحظ أي تغيير أو حركة أو ضبابية في الكلمة على الرغم من حركة الشاشة بالنسبة لرأسك 

يعود الفضل لديك في تلك المقدرة إلى مستشعرات الدوران في الأذن الداخلية حيث تحتوي الأذن الداخلية على قنوات هلالية الشكل تمتلئ بسائل لزج فعندما يتحرك الرأس ينسكب هذا السائل بالقنوات الهلالية بحسب اتجاه الحركة منبهًا الخلايا التي تبطن تلك القنوات وعندما تتنبه تلك الخلايا لوجود حركة فإنها ترسل إشارة عبرالمخ والأعصاب إلى العضلات التي تتحكم في دوران العينين 
فعندما حركت رأسك جهة اليمين استشعرت الأذن الداخلية اتجاه الدوران وأرسلت إشارة لعضلات العينين لتحركهما جهة اليسار وعلى العكس عندما يتحرك رأسك جهة اليسار فتتحرك العينين لجهة اليمين وهكذا أيًا كان اتجاه الحركة فإن لها حركة تعويضية تعادلها في العينين وبذلك تضمن تلك الآلية تثبيت الصورة على شبكية العين في حال حدوث حركة 

 حركة الإمساك والدفع عند الطيور: 

ما ذكر سابقًا كان بالنسبة للبشر ولكن أيضًا نجد أن لدى كل كائن حي لديه تقنياته الخاصة لتثبيت الصور على شبكيته لأطول فترة ممكنة ولكن ليس بالضرورة أن تتضمن تلك الآلية تحريك العينين حيث نجد أن أنواعًا عديدة من الطيور مثل الدجاج والحمام تعتمد آلية أخرى لذلك تبدي بعض الطيور مثل الدجاج والحمام حركة رأس ذات إيقاع منتظم بالتناغم مع خطوات أرجلها على الأرض فنراها تهز رأسها للأمام والخلف وبزيادة سرعة مشيتها يزداد إيقاع حركة الرأس بشكل ملحوظ ولكن في حقيقة الأمر ما تلك سوى حركة وهمية تنشأ عن قدرة مذهلة لدى الدجاجة على تثبيت رأسها في الفراغ

حيث تنقسم هزة رأس الدجاجة والعديد من الطيور الأخرى إلى مرحلتين:

1_مرحلة إمساك الرأس (Hold phase): 
وهي المرحلة التي تثبت فيها الدجاجة رأسها بالنسبة للبيئة حولها بينما يتقدم الجسم إلى الأمام تاركًا الرأس وحده معلقًا في الهواء ثم تأتي المرحلة الثانية وهي 

2_ مرحلة الدفع (Thrust phase):
 التي تتضمن حركة الرأس المفاجأة والسريعة إلى الأمام فبدلًا من تثبيت العينين فقط على الهدف بينما يتحرك الرأس تقوم بعض الطيور بتثبيت رأسها بالكامل للاحتفاظ بالصورة على الشبكية ولكن الرأس لن يبقى هناك إلى الأبد لذا تأتي مرحلة الدفع كخطوة حتمية كي يلحق الرأس بالجسم ويتكرر ذلك الأمر على مسار حركة الطائر ومن هنا تنشأ حركة الإمساك والدفع المميزة عند الطيور (الصورة1)

وفي تجربة شهيرة وضع العلماء أحد طيور الحمام على جهاز المشي (Treadmill) بحيث كانت سرعة حركة حزام المشي مساوية لسرعة حركة الحمامة فوجد العلماء تلاشي حركة الإمساك والدفع 

ويعود تفسير ذلك إلى أن الحمامة تتحرك في مكانها حقًا ولكنها لا تتحرك بالنسبة للبيئة المحيطة ولذلك يبقى المشهد المائل أمامها ثابتًا بالفعل لا يتغير وهو ما يدعم صحة نظرية تثبيت الصورة.

وقد استفادت العديد من الشركات كشركة مرسيدس بينز للسيارات من هذه الخاصية في راس الدجاجة للتقليل من حركة السيارة على الطرق الغير معبدة جيدًا وأطلقت على هذه التقنية اسم تقنية رأس الدجاجة 
وشركة LG الشهيرة أيضًا استغلت هذا الميزة في رأس الدجاجة من أجل الترويج لخاصية التثبيت البصري بكاميرات هواتفها المحمولة.


(الصورة1) حركة الإمساك والدفع عند الطيور

ثانيًا: لمحة عن تشريح العين عند الطيور وبعض التقنيات الداخلية في العين:
تتوضع كرة العين في تجويف الحجاج الواسع الذي يتوضع جانبيًا وحشيًا من الرأس ووظيفته حماية كرة العين وتوفير مكان آمن لها ضمن الجمجمة.
 يوجد رباط في عين الطيور يسمى الرباط المشطي (Pectinate ligament) وهو متطور بشكل كبير جدًا (الصورة2)


(الصورة2) الرباط المشطي في عين الطيور


 إن جميع الطيور لديها درجة معينة من العضلات المخططة في قزحية العين مما يجعل استخدام موسعات الحدقة (مثل الأتروبين) غير فعالة بشكل جيد ويمكن ملاحظة ذلك جيدًا عندما نسلط منبع ضوئي قوي بالقرب من عين الدجاجة.

 في الدجاج تم العثور على تخصص في شبكية العين في وقت متأخر من المرحلة الجنينية والمراحل الاولى من فقس صيصان الدواجن في جميع أنحاء شبكية العين حيث وجدت عقدة مركزية(Central node) بقطر نحو 2مم توجد في الطرف الظهري للقرص البصري (Optic disk) (أو يسمى راس العصب البصري)  ومجموعة من الهياكل التي تشع من هذه العقدة وقد تم اعتماد تسمية هذه المجموعة باسم النجمة (Aster) 

 الغدة الدمعية صغيرة عند الطيور أو قد تكون غائبة عند بعض أنواع الطيور واحد تفسيرات ذلك هو السرعة الهائلة للطيور وخاصة المفترسة لدى طيرانها فلو كانت الغدة الدمعية نشيطة وغزيرة الإفراز فإن اصطدام الهواء بسرعة كبيرة بالعين في أثناء الطيران سيؤدي إلى تبخر الدموع وعدم وضوح الرؤية. 

ولكن بالمقابل لا بد من وجود آليات بديلة لترطيب العين وحمايتها من الأذية في أثناء الطيران واصطدامها بالهواء بسرعة وضمان عدم جفافها وقد يساهم الجفن الثالث عند الطيور في هذه العملية أيضًا. 
 
وايضًا غدد هارديريان (Harderian) والتي تتوضع في الحجاج لها دور في حماية العين بالإضافة إلى الدور المناعي الكبير الذي تقوم به هذه الغدد.
حيث أن مفرزات هذه الغدة ومن ضمنها حمض الهيالورونيك تعمل على ترطيب سطح العين دون حدوث التبخر السريع وتخفيف الاحتكاك الذي يحصل نتيجة حركة الجفن الثالث (الغشاء الرامش) الموجود عند الطيور وهذه الغدة موجودة عند الدجاج أيضًا. 

غدة هارديريان (Harderian gland) (الصورة3) وعادة ما يرمز لها ب (HG) لها دور مناعي كبير (الجلوبيلولين A) وبالتالي فالحفاظ على العين وعلى هذه الغدة من الأمونيا والغازات الضارة في عنابر الدواجن ضروري جدًا لتحقيق المناعة المرجوة من التحصينات (النيوكاسل والإنفلونزا….). 


(الصورة3) توضح غدة هارديريان عند الطيور


أيضًا النسيج اليمفاوي المرتبط بالملتحمة موجود عند الطيور(Conjunctiva Associated Lymphoid Tissue) والذي يرمز له اختصارًا ب (CALT) (الصورة4) وله دور كبير بالجلوبيلولينات المناعية والمناعة. 
 

                   (الصورة4) توضح النسيج الليمفاوي المرتبط بالملتحمة


 تأخذ العين عند غالبية الطيور الشكل الكروي. 
 إلا أن طائر البوم وبعض أنواع الصقور تمتلك عيون أنبوبية الشكل فيكون قطرها الواصل بين الحدقة والشبكية كبيرًا فيكون عملها مشابهًا لعمل المنظار المقرب لتساعدها على اصطياد فرائسها.

 يوجد في عين الطيور تركيب يسمى بكتين (Pecten) أو (Pecten oculi) (الصور5 و6) وهو تركيب تنفرد به عيون الطيوري
وهو عبارة عن جسم وعائي يبرز من الشبكية إلى الجسم الزجاجي عند نقطة خروج العصب البصري وهو يتكون من الشعيرات الدموية وخلايا مصطبغة خارج هذه الأوعية ويكون مفتقرًا إلى كل من الأنسجة العضلية والعصبية

ولم يتوصل العلماء حتى الآن لاكتشاف كامل وظائفه إلا انهم ذكروا أن من بعض وظائفه ما يلي:
  •  وظيفة تغذوية وقد أشار العلماء إلى أنها غالبًا الوظيفة الأساسية له. 
  •  له دور في تدفئة عين الطيور لذلك فالرؤية عند الطيور جيدة جدًا حتى في أشد الأجواء بردًا ويمكننا القول أن الأمر مشابه لخطوط التدفئة الحمراء في الزجاج الخلفي للسيارة. 
  •  يعتبر كاشفًا متطورًا للحركة عن طريق إدراكه للظلال الصغيرة. 
  •  له دور في تنظيم ضغط العين. 
  •  يشكل حاجزًا ضد الضوء الساطع الداخل إلى العين. 
  •  مستشعر للمجالات المغناطيسية التي تستدل بها الطيور على الاتجاهات والتي ذكرناها سابقًا. 
  •  له وظيفة كجهاز لقياس زاوية ارتفاع الشمس. 
  •  من كل مما سبق فإن له دورًا في تحسين حدة البصر وأدوار أخرى لا يعلمها إلا الله. 

(الصورة5) رسم توضيحي يوضح تركيب البكتين في عين الدجاج                         



(الصورة6) صورة واقعية لتركيب البكتين في عين الطيور (مؤشر عليه بسهم أسود)


ليست هناك تعليقات