شغف العلم الذي لا ينتهي

الجاليوم ذلك العنصر المدهش - ساينسوفيليا

 

 العلوم ليست مجرد نظريات وإنما حياة تأخذك لعالم اخر؟

الجاليوم ذلك العنصر المدهش - ساينسوفيليا

بقلم: ريم عيسى 

مراجعة علمية: د.دينا فراج

هل ممكن تخيل أن مادة صلبة كليا في درجة حرارة الغرفة العادية أن تذوب لمجرد وضعها في راحة يدك! 

الذي يفوق الخيال أن نفس المادة الضعيفة يمكن أن تفتت قطعة من الالومنيوم الصلبة كليا وتصبح كقطعة بسكويت هشة في خلال ساعات.

لكن ما سر هشاشتها الغريبة وهل ذوبانها متعلق بجسم الإنسان أم أن هناك سر آخر؟ وما سبب قوتها المعاكسة لطبيعتها التي تفتت الالومنيوم ويكأننا نشاهد فيلم خيال علمي غامض لبعض الكائنات الصغيرة التي تأكل أساس المدينة هذا ما سوف نتناوله في هذه المقالة.

قرر ماندليف في أثناء استكمال تصميم الجدول الدوري المعروف عالميا في جميع المراحل العلمية بمختلف ثقافتها وأشكالها أن يترك خانة فارغة لعنصر غير مكتشف بعد وتوقع أن يكون العنصر في المجموعة 13 وهي من الفلزات والتي تسمي مجموعة البورون، توقع ماندليف أن هناك عنصر سوف يكتشف بين الالومنيوم والأنديوم ويحمل سلوكيات كيميائية مشابهة لذلك أطلق عليه اسم إيكا-الومنيوم Eka-Aluminum وسيكون عدده الذري 31.

بعد توقعات ماندليف للعنصر الغامض اكتشفه أخيرا العالم الفرنسي إيميلي ليكوك دو بواسبودران في 1875م الذي مضي 15 عام في دراسة أطياف للعناصر الكيميائية Spectra of chemical elements، والأطياف تلك عبارة عن خطوط تظهر عند تسخين العناصر الكيميائية، فبالتالي كل عنصر له خطوط طيف مميزة له وهذه الطريقة كانت موثوق بها للتعرف على المواد في ذلك الوقت.

ليكوك تساءل بما أن العدد الذري للعنصر الغامض Eka-Aluminum هو 31 وعنصر الزنك عدده الذري 30 ويقع بجانبه فالجدول الدوري فيمكن وجود العنصر الغامض في خامات الزنك.

في عام 1875 بدأ تطبيق توقعه فاستخدم المطياف الضوئي Spectroscope وهو مطياف يستخدم لقياس خواص الضوء أو الأطياف الخارجة من مادة معينة في مجال الطيف الكهرومغناطيسي، فنتج عن ذلك اكتشافه لأطياف مختلفة عن أطياف الزنك المعروفة لكن بكميات قليلة جدا ووجد الطيف الناتج يتكون من موجات مرئية بنفسجية ضيقة. 
بعد التحقق من الأطياف أطلق على عنصر ماندليف الغامض اسم جاليوم Gallium الذي يأتي من الكلمة اللاتينية جاليا Gallia التي تعني فرنسا.

الآن دعونا نجيب عن الاستفهامات التي ذكرناها فالمقدمة بطريقة مبسطة وممتعة عن طريق ذكر الخواص الفيزيائية للعناصر. 
فلكل عنصر خواص فيزيائية تندرج تحت تصنيف معين وهي لكل عنصر درجة انصهار محددة ودرجة غليان، لون يميزة وتركيبه البلوري، ودرجة صلابته.

رغم صعوبة اكتشافه في بادئ الأمر إلا أن الجاليوم يمكن وصفه بسهولة من خلال مظهره بأنه مادة صلبة فضية رقيقة مع سطع لامع رغم إنها تصنف كمادة صلبة لكن يمكنك تقطيعها بسكين المطبخ!

في البداية ذكرت أنه رغم تصلبه فدرجة حرارة الغرفة العادية إلا أنه يذوب في غضون دقائق عند وضعه في راحة يدك ما السر وراء ذلك؟
 الإجابة بسيطة جدا، درجة ذوبانه قليلة جدا تصل ل 29.7 درجة مئوية أي أقل من درجة حرارة الجسم فبتالي درجة حرارة جسمك تستطيع ذوبانه في دقائق لكنه غير سام بالمرة وعند تركك له يتصلب بسهولة مرة أخرى لكن الجدير بالذكر أنه رغم قلة درجة ذوبانه فإن هناك فرق شاسع بينه وبين درجة غليانه التي تصل ل 2400 درجة مئوية.

من ضمن خصائصه المهمة أنه عند التجمد يتمدد بنسبة 3.1% من حجمه الأصلي فلذلك لا ينصح بوضعه داخل اواني زجاجية.

ما الذي يحدث عند وضع الجاليوم على الالومنيوم؟

إذا أحضرت أي قطعة في المنزل مصنوعة من الالومنيوم كالقفل مثلا وأحدثت بها بعض من الخدوش تحدث عملية اكسدة للسطح فاذا سكبت بعدها الجاليوم المذاب فإن السطح المؤكسد سوف يمنع تخلل الجاليوم بشكل جيد بداخل الالومنيوم، ولتجنب عملية الاكسدة نسبيا نذيب الجاليوم فوق الالومنيوم قبل خدش المعدن بعد ذلك نقوم بخدشه وهو موضوع عليه ذلك سوف يجعل الجاليوم يتسلل بخفة داخل الالومنيوم، بعد ترك عملية التخلل تحدث ويتصلب الجاليوم بمجرد تمرير إصبعك على الالومنيوم سوف يتقشر السطح الخارجي له حتى الأسطح التي لم ينسكب عليها الجاليوم وبعد فترة كافية يبدأ فالتفتت. 

تفسير تلك الظاهرة ممتع وله استخدام شيق فالبداية بعد سكب الجاليوم على الالومنيوم يتخلل الجاليوم داخل التركيب البلوري للالومنيوم فيقوم بإضعاف الروابط بين الذرات الداخلية ليست الروابط على المنطقة المغطاة بالجاليوم فقط بل جميع الروابط فبذلك يمكن كسر المادة وتصبح هشة جدا نتيجة لضعف الروابط.

 "فبكمية مناسبة من الجاليوم يمكنك إذابة ما تريد"

كي لا نشعر بالملل دعونا نذكر بعض استخداماته وتجربة شيقة فالنهاية:

  •  بما أن الجاليوم غير سام ويمكنك وضعه على الجلد مباشرة فهو يستخدم في بعض الثرمومترات التي تقيس الحرارة العالية high temperature thermometer بدل من الزئبق.
  •  يمكن طلاء الزجاج بالجاليوم فسوف يتحول إلى مرايا لامعة.
  •  ويدخل في صناعه الالكترونيات بشكل أساسي فالحقيقة يتم استخدام 95% من الجاليوم لصناعة زرنيخ الجاليوم GaAs الذي يستخدم في صناع الميكرويف والدايود بالأخص LED.
  •  بالطبع أهم استخدام هو قدرته على الدخول للنظام البلوري للمادة وجعله هش.

هل يمكن صنع فقرة علمية ممتعة للطلاب تجذبهم للعلم؟

بالطبع العلوم ليست مجرد نظريات معقدة يمكننا الاستمتاع بها فأشهر تجربة للجاليوم يمكن تأديتها كتجارب ساحرة للعلوم في المعارض العلمية تجربة الملعقة وهي بمنتهي البساطة تحضر بعض من الجاليوم وتسخنه حتى يصل لدرجة ذوبانه وتحضر قالب فارغ على شكل ملعقة وتسكب فيه الجاليوم المذاب وبعد فترة قليلة سيكون تصلب ثم تنزع القالب وتحضر الملعقة فتكون جاهز لعرض خدعتك العلمية، ثم تأتي بكوب ماء درجة حرارته بالطبع اعلي من درجة ذوبانه وتقوم بتقليب الملعقة في الماء سوف يلاحظ الحاضرون أن الملعقة اختفت وانها حيلة سحرية أين ذهبت الملعقة؟
 لكن الذي لم يلاحظ أن الجاليوم ذهب لقاع الماء ولم يختلط به ويمكن استخراجه مره أخرى فبعد إبهار الحاضرين يمكنك شرح النظرية ببساطة.

العلوم ممتعة وخاصة علوم المواد إنها ليست مجرد ذرات وروابط وتفاعلات انما حياة تأخذك لبعد اخر.

ليست هناك تعليقات