شغف العلم الذي لا ينتهي

قصة الذرة - ساينسوفيليا

قصة الذرة (1)

قصة الذرة (1)


بقلم: مجدي عياد فرج

هل سبق لك وأن تسائلت يوما عن طبيعة الماده المكونه للأشياء من حولك؟ الموبايل الكرسي العصير وحتي جسمك، مما تتكون الأشياء وما هي طبيعتها؟ ما الذي يجعل الصخور صلبه قاسية ويد حبيبتي ناعمه؟ لما الزهور ملونه والنجوم لامعه؟ ما طبيعة الاشياء، مما تتكون وما الذي يجلعها متباينة في صفاتها؟

منذ قديم الزمان وقبل عصر العلم الحديث والبشر يتسائلون عن طبيعة المادة والظواهر الطبيبعه التي يحياها يوميا، وقد ظن البشر في البداية أن المادة تتكون من حبيبات صغيرة تتجمع لتكون الاجسام سواء الحية أو غير الحية، فلو أحضرنا أي شئ وقمنا بطحنه جيدا مرات عديده سيتحول في النهاية إلى حبيبات صغيره لا يمكن تجزئتها أكثر من ذلك، ومن هنا جائت تسمية الذرة أو atom بالانجليزيه، من اللفظة اليونانية اتوموس أي أصغر شئ لا يمكن تجزئته.

بدأت الفكرة في النضوج أكثر مع الفلاسفة اليونانيين ديموقريطوس وليسيوبوس سنة 430 ق.م قدموا فكرة أن الأشياء كل الاشياء تتكون من ذرات صغيره هي وحدة بناء الماده وهي أصغر بكثير من الحبيبات الناتجه عن الطحن، وكل الظواهر الطبيعيه يمكن تفسيرها باعتبار أنها ذرات تتحرك وتتجمع في الفراغ، وسبب إختلاف الخواص من ماده لأخرى هو إختلاف ذرات كل ماده، حتي أنهم اعتبروا المرض والحزن هما نوع شرير من الذرات يتسلل داخل الجسم، والجدير بالذكر هنا أن تلك النظرية كانت بمثابة التدشين للنزعة المادية في فلسفة الطبيعة.

بعد ذلك بقرون قدم دالتون تصوره عن الذرة علي أنها كرات صغيرة مصمتة لا يمكن تجزئتها تتحد لتكون الاجسام المختلفة، ثم قام فاراداي بالتحليل الكهربي لبعض الاملاح مكتشفا أن الذرة تحتوي علي أشياء مكهربة تخرج منها أثناء التفاعل وسماها إلكترونات، ولاحقا لعبت الإلكترونات دورا أساسيا في تفسير الخواص الكيميائية للعناصر المختلفة.

في شهر ابريل من عام 1897 أعلن العالم جوزيف جون طومسون اكتشافا آخر وهو أن الجسيمات المكونه لأشعة أنبوب الكاثود هي هي ليست ذرات ولكنها جسيمات أصغر بكثير من الذرة، وهي مشحونة كهربيا بشحنه سالبة (والشحنة هي إتفاق إصطلاحي ليس أكثر)، إذن هذه الجسيمات لابد أن تكون هي الإلكترونات التي اكتشفها فاراداي لاحقا - أنبوبة أشعة الكاثود هي الأنبوبة المستخدمه في التلفاز القديم قبل اختراع الشاشات المسطحه - وقدم طومسون نموذجه عن الذرة بأنها كرة موجبة الشحنه بداخلها الالكترونات السالبة.

ولنتخيل مدي ضئالة الذرة، فإذا أخذنا 18 جرام من الماء فإنه يحتوي علي تقريبا 6 مليون مليون مليون مليون ذرة ! أي أن الحبيبات المطحونه إتضح أنها تتكون من آلاف بل ملايين الذرات.

إذا كان وزنك 70 كيلو جرام فإن عدد الذرات المكونه لجسمك يبلغ 70 الف مليون مليون مليون مليون ذرة، أما الكون المنظور فيتكون من حوالي مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون ذرة !

في عام 1909 قام العالم رذرفورد وفريقه بتجربة في غاية الأهمية، فكانت نتائج أبحاثهم مذهلة حقا وشكلت قفزة في معرفة الذرة وطبيعة الماده، التجربة كانت عبارة عن قذف شرائح رقيقة جدا من الذهب بشعاع من جسيمات الفا (وهي جسيمات مشحونه بشحنه موجبة) ومن البديهي أن ترتد الجسيمات عن اصطدامها بذرات شرائح الذهب أو أن تمتص، ولكن النتيجة المذهلة هي مرور معظم الجسيمات على استقامتها كما لو لم يكن شئ أمامها لتصطدم به، جزء من الشعاع إنحرف عن مساره والجزء الباقي إرتد.

أحد النتائج الغير متوقعه لأبحاث رذرفورد وفريقه هي أن الذره معظم حجمها فارغ لا يوجد به ماده، فعلى سبيل المثال فإن الفراغ الموجود في ذرة عنصر الهيدروجين يمثل 99.9999999999996 بالمئه من حجم الذرة ! مما يفسر مرور معظم جسيمات الفا بدون أي معاناة داخل ذرات رقائق الذهب في تجارب رذرفورد.

قدم رذرفورد نموذجه عن الذرة بأنها نواة موجبة الشحنة تشكل معظم كتلة الذرة تدور حولها الكترونات سالبة الشحنه خفيفة جدا مقارنة بالنواة، كما لو كانت الذرة هي مجموعة شمسية صغيرة جدا.

لم تكن هذه هي نهاية معرفتنا بل كانت البداية، لم نستطيع حتى الآن أن نجاوب الأسئلة التي راوضتنا: ما الذي يجعل الصخور صلبه قاسيه ويد حبيبتي ناعمه؟ لما الزهور ملونه والنجوم لامعه؟ ما طبيعة الاشياء، مما تتكون وما الذي يجلعها متباينه في صفاته؟
فبنظرية ديموقريطس بدأت المسيره التي لم تنتهي إلى يومنا هذا وقد لن تنتهي !

في المقال القادم سنري كيف أن تصور رذرفورد عن الذرة أدى لتناقضات مع قوانين ماكسويل الكهرومغناطيسية، سنستعرض التطورات المثيرة والتناقضات التي ظهرت مما دفع العلماء لتطوير نظريات أكثر غرابة وجنونية عن المادة وتركيبها الداخلي.

ليست هناك تعليقات