شغف العلم الذي لا ينتهي

الشائعات تعريفها وطريقة مواجهتها - ساينسوفيليا

 

 الشائعات 

الشائعات - سينسوفيليا

بقلم : شيماء إبراهيم عباس

الشائعات قديمة قدم التاريخ البشري فمنذ أن خلق الله تعالى ادم والشائعات موجوده معه فالشائعات كانت سبب في خروج ادم من الجنة حين حرضه إبليس عن الاكل من الشجرة واكد له انها شجرة الخلد وحين صدق ادم تلك الشائعة أو الكذبة دون التأكد من مدى صحتها كانت النتيجة خروجه من الجنة، وهذا ما يدل على أن الشائعات في أي زمان أو مكان فهي تعتبر من أدوات التدمير والخراب. 

فيذكر التاريخ أن الشائعة كانت سببا في موت سقراط حيث اتهمه أعدائه بإفساد الشباب وحضهم على الثورة.

كما أن المسلمون لم يسلموا من الشائعات خاصة تلك التي اطلقت حول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها احب زوجات الرسول – صل الله عليه وسلم – حين اتهمت في شرفها في أثناء قيامه صلى الله عليه وسلم بإحدى الغزوات فيما يسمى بحادثة الإفك، ولقد نزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – معلنا براءة أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – مما نسب اليها من إفك مبين في سورة النور فقال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ أمْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَأبٌ عَظِيمٌ). (سورة النور: 11) إلى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَأبٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة النور: 19) 

ولقد لعبت الشائعات دورا هاما ومؤثرا في الاحداث المصيرية التي شاهدها العالم على مر التاريخ فعندما قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939 لاحظا عالما النفس الالمانيان جوردن البورت وبوستمان تأثير الشائعة والشائعة المضادة على اتجاهات الناس فلاحظ أن الشائعات تكون أكثر انتشارا عندما يكون هناك ظروف ضاغطة كالحروب والحوادث والأزمات العائلية والإجتماعية خاصة عندما يكون هناك تعتيم إعلامي أو عدم وضوح. 

ومع ظهور الإنترنت اصبحت الشائعات تنتشر في كل مكان وعلى الفور ويبدو في كثير من الأحيان أن الشائعات هي العنصر الوحيد الذي يمكن السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء في ظل وسط لا يساعدنا على فهم جاذبيتها وقوتها وأخطارها. 

والشائعات تبلغ اقصى شدتها عندما يكون الجمهور متوقع حدوث حادث خطير ويشتد الاحتدام عندما تتدخل الصحافة والإعلام والانترنت في نشر الشائعات فمنذ ما سمعنا عن فيروس كورونا في أواخر عام 2019 وها قد انتشرت الكثير من الشائعات والأفكار المغلوطة بين الناس عن الفيروس وأعراضه وطرق الوقاية والعلاج، وانتقال فيروس كورونا المستجد بين الناس منذ ظهور المرض.

وأبرز الشائعات كان يذكر أحيانا على صفحات صحف رسمية وقومية وأبرزها تلك الشائعة الساخرة بأن شبكات الجيل الخامس للمحمول تنقل الفيروس. 
وقد قامت منظمة الصحة العالمية بالرد وتصحيح بعض الشائعات وأكدت أن الفيروسات لا يمكن الانتقال عبر موجات الراديو /شبكات الجوال، كما ينتشر كورونا في العديد من البلدان التي لا تمتلك شبكات 5G.

بينما ينتشر كورونا من خلال قطرات الجهاز التنفسي عندما يسعل الشخص المصاب أو يعطس أو يتحدث، يمكن أن يصاب الناس أيضًا عن طريق لمس سطح ملوث ثم عيونهم أو فمهم أو أنفهم. 

والشائعات تتنشر وتسير بسرعة البرق بين الناس نظرا للظروف الضاغطة والعصيبة التي نعيش فيها مما جعل الكثير منا يعيش في حاله من الهلع والرعب مما قد يحدث نتيجة انتشار الكثير من الشائعات والاكاذيب خاصة في أيامنا هذه وانتشار الفيروسات.

فاصبح يتردد كثيرا أن البلاد اصبحت خطرة وأصاب الكثير من الناس الخوف والهلع حتى من الخروج من المنزل خاصة أصحاب الاضطرابات النفسية.

ومن أبرز الشائعات أيضا تلك الشائعة التي نشرت على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر والفيس بوك بأنه (لا يمكن التعافي من كورونا وستصاب به مدى الحياة) على الرغم من أن معظم الأشخاص الذين يصابون ب كورونا تعافوا من الفيروس وتخلصت أجسامهم منه.

وكما كان لمواقع التواصل الاجتماعي دورا هاما في نشر الشائعات كان لها دورا أيضا لا يقل اهمية في تكذيبها ومثال ذلك الصفحة الرسمية لمنظمة الصحة العالمية والتي كان لها دور بالغ الاهمية في تكذيب الشائعات ومنها الشائعة السابق ذكرها التي اسرعت بتصحيحها وتصحيح غيرها الكثير من الشائعات.

ويتوقف مدى انتشار الشائعات على مدى اتجاهات الأفراد نحو موضوعها وقد يأخذ الاتجاه شكل الرفض المطلق للشائعة أو شكل القبول لها أو شكل الحياد المتمثل بعدم قبولها أو رفضها. 

واتجاه الفرد نحو الشائعة يعتمد على عدة عوامل منها:

  • معرفة الفرد المسبقة بالإشاعة
  •  العمر
  • المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي يمثله فقد وجد في بعض الدراسات أن الأفراد الذين سبقوا وأن سمعوا بالشائعة من قبل لديهم ميل أكبر لتصديق الشائعة مقارنة من غيرهم الذين سمعوا بها لأول مرة. كما تدل على أن الفقراء اميل لتصديق الشائعة من الاغنياء وأن كبار السن أكثر تأثرا بالشائعات من الصغار. 

تعريف الإشاعة

  • يعرف البورت Allport وبوشمان Postman الإشاعة :
على انها قضية أو عبارة قابلة للتصديق يتم تناقلها بين الأفراد دون وجود معايير مؤكدة لتصديقها.

  • وفي قاموس علم النفس يقدم جيمس دريفر Charla Anedal تعريف للشائعة فيقول:
أن الشائعة عبارة عن قصة غير محقق فيها تنتشر في المجتمع ويزعم فيها حدوث واقعة معينة.

  • بينما يرى ريبر Rebar في قاموسه لعلم النفس بأن الشائعة هي:
 تقرير غامض أو غير دقيق أو قصة أو وصف يتم تناقله بين أفراد المجتمع عن الكلمة المنطوقة غالبا وتميل الشائعات إلى الانتشار في أوقات الازمات في المجتمع وتدور دائما حول أشخاص أو أحداث مما يمثل أهمية  لأفراد المجتمع في ظل توفر معلومات غامضة عن هؤلاء الأشخاص أو الأحداث.

كيفية انتقال الشائعات:

تعد الشائعات من أخطر الأمراض التي تزلزل كيان الأمم وتقوض بنيان المجتمعات فكم وكم أشعلت من حروب؟

فالشائعات الغام معنوية وحرب نفسية وقنابل موقوتة ومروجو الشائعات أخطر بكثير من مروجي المخدرات لأن مروجي الشائعات يهدفون إلى قتل الإنسان معنويا‏. ‏

كما يمكن أن تنتقل الشائعة عن طريق الثرثرة الشفهية أو عن طريق الخطابات أو عن طريق بعض وسائل الإعلام مثل الإذاعة والتليفزيون أو عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي عبر الإنترنت أو عن طريق الجرائد والمجلات.

وانتشار أي شائعة يعرف بانه عملية (نشر) أو تعتييم

ويوصف(كيميل 2004) طريقتان لانتشار الشائعات هما:

  • الطريقة الاولي:
من خلال الكلمة المنطوقة وهذه الطريقة تشتمل على علاقات اجتماعيه قويه مثل اثنين من الاصدقاء المقربين أو الاقارب.

  • الطريقة الثانية: 
وهي وسائل الإعلام التي تخدم كقناة لنشر الشائعات.

كما أن كيميل يفترض بان الناس بتعلم وتعرف الشائعات اولا من الجرايد والمجلات في حين انه أصبح هناك وسيلة لتوصيل الشائعات لعدد كبير جدا من الناس اسرع بكثير من غيرها من الوسائل الأخرى إلا وهي الإنترنت.

أنواع الشائعات Types of Rumor 

هناك عدة تصنيفات للشائعات تختلف باختلاف المحك المستخدم في التصنيف فقد يتم التصنيف على أساس العامل الزمني أو على أساس الجوانب العقلية والدوافع الكامنة ورائها، أو على أساس الأثار الاجتماعية المترتبة عليها وبشكل عام يمكن تصنيف الشائعات وفقا لما سبق على النحو التالي: -

  • أولا: - من حيث سرعة السريان (المعيار الزمني)

  1.  الشائعة الغاطسة: 
    وهي الشائعات التي تنتشر بين الأفراد في وقت ما ثم تختفي وتعود للظهور من جديد مرة أخرى حين تسمح الظروف مثل الشائعات التي انتشرت حول الثورات المصرية.
  2.  الشائعة الاندفاعية: 
     وهي تلك الشائعات التي تنتشر بين الناس سريعا وفي وقت قصير جدا وتنطوي على شائعات العنف أو الحوادث أو الكوارث والحروب.
  3. الشائعة الحابية: 
    وهي تلك الشائعة التي تنمو ببطء شديد وفي سرية تامة حتى يكاد أن يسمع بها كل فرد، مثل الشائعات التي تدور حول الشخصيات الرسمية أو شخصيات إسلامية.

  • ثانيا: - من حيث دوافع المتلقي وأمانيه: -

  1. شائعات الخوف: 
    هي من أخطر أنواع الشائعات لأنها تهدد الروح المعنوية للأفراد وتجعل الأفراد غير قادرين على التصرف السليم وهذا لأن الخوف من شانه أن يقلل النتاج الفكري مثل الشائعات التي تدور حول فيروس كورونا.

  2. شائعات الكراهية: 
     تهتم مثل هذه الشائعات بالفشل والغدر والخيانة وعدم الولاء، والأشخاص الذين يقعون كبش فداء لمثل هذه الشائعات هم المسؤولين في البلدان التي يسودها الفساد.
    ومن امثلتها: تهريب أحد المسئولين لمبلغ كبير من المال خارج البلاد.

  3. شائعات العدوان:  
    وهذه الشائعة مرتبطة لدرجة كبيرة بشائعات الكراهية العدوان، ويذكر ناب Knapp أن ما يقرب من ثلثي الشائعات التي انتشرت بالولايات المتحدة الامريكية عام 1942 كانت عدائية من حيث القصد وكان اغلبها مناهض للحكومة والإدارة. .

  4. الشائعات الحالمة: 
    هي تعبر عن بعض الاماني والاحلام المكبوتة التي لا تجد طريقها للخروج إلى حيز التحقيق الفعلي، مثل الشائعات الخاصة بارتفاع المرتبات، انخفاض أسعار السلع والخدمات لدى عامة الناس. 

  5. الشائعات العنصرية:  
    وهي التي تنتشر بين الجماعات نتيجة للفروق العنصرية فيما بينهم ومن أمثلتها الشائعات التي كان يطلقها البيض على السود في الولايات المتحدة الامريكية وهدفها أن تقلل من قيمة الأشخاص السود وفي دافعيتهم للإنجاز والنجاح.

  • ثالثا: من حيث الاختلاف أو الاتفاق مع المتلقي ومعتقداته:
فالأفراد يكونوا أكثر ميلا إلى تصديق الشائعات التي تتفق مع معلوماتهم وثقافتهم وقيمهم بصرف النظر عما إذا كانت هذه المعلومات صحيحة أم خاطئة ويقاومون الشائعات التي لا تتماشي مع قيمهم ومعتقداتهم.

  • رابعا: من حيث مدي عمومية الشائعات: يمكن تصنيف الشائعات طبقا لمدي عموميتها إلى اربع فئات:

  1. الشائعات شخصية:
     وهي تعد من الشائعات الحالمة حيث تهدف إلى الحصول على مكاسب شخصية أو مراكز مرموقة مثل ترشيح أحد الأشخاص لمنصب مهم في الدولة.

  2.  الشائعات المحلية: 
    وهي تلك الشائعات المتعلقة ببلد معين مثل انتشار شائعات حول حوادث الإجرام أو الإختطاف أو العملة أو مشكلات بلد مع أخرى. . الخ

  3. -الشائعات القومية
    وهي تلك التي تخص القضايا القومية العامة والأزمات التي تواجهها وعوامل التدهور أو نواحي القوة والقدرة على التحدي.

  4. الشائعات الدولية: 
    وهي الشائعات المتعلقة بالكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة مثل الشائعات حول سحابة من المواد المشعة على المفاعل النووي السوفيتي فوق شمال أوروبا.

  • خامسا من حيث أهدافها:

الشائعات الدفاعية:
  
وهي تعد نوع من الشائعات الحالمة أو شائعات الأماني وهدفها أن تطمئن الناس وتزيد من ثقتهم في المستقبل لتماسك الجبهة الداخلية مثل ارتفاع مستوى المعيشة وانخفاض نسية البطالة.

الشائعات الهجومية: 
وهي تلك الشائعات التي توجه إلى العدو وتقوم على مبدا الهجوم خير وسيلة للدفاع.

كيف يمكن مواجهة الشائعات:

 تكذيب الإشاعة: 
فالأفضل أن يقوم بتكذيب الإشاعة شخصية هامه لها مكانتها الاجتماعية والسياسية والعسكرية، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة أكثر شيوعا إلا أن إعلان تكذيب الإشاعة هو تكرار لها وهناك الكثير من الناس يميلون لتصديق الإشاعة ولا يهتمون بتكذيبها.

عيادة الإشاعة:
  
وتعتمد على تخصيص عمود في صحيفة يومية أو برنامج إذاعي أو تليفزيوني لتحليل الشائعات تحليلا متكاملا وتكذيب الشائعات الخاطئة وإعلان الشائعات الصحيحة.

تعريف الشعب بالحقيقة بقدر الإمكان فالمعروف أن الإشاعة تشبع حاجة الفرد إلى حب الاستطلاع ومعرفة كل ما هو جديد، كما يميلون الأفراد إلى المبالغة والتهويل في القول أو لاتخاذ موقف انفعالي معين. 

فالشائعات تعد من أخطر المشكلات التي متي انتشرت في أمة من الأمم، اضطربت أحوالها، وضعفت الثقة بين أفرادها وانتشرت فيهم عدم الثقة وسوء الظن المبني على الأوهام لا على الحقائق. 

ومن ثم فإن إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له ومن أجل ذلك نهى شرعنا وحذر من إطلاق الشائعات، فقد قال تعالي " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " (سورة الحجرات، الآية‏ 6‏ ) ومن هذا المنطلق علينا ألا نتعجل في الحكم على كل ما يقال بل نترك لعقولنا فرصة لتدبر وتفهم ما يقال والسعي لمعرفة مصدرة حتى يتبين لنا حقيقة أمره وحتى لا نكون سببا في انتشار الشائعات وأن نمتنع عن بعض الكلمات مثل سمعت، أو يقولون وتبديلها ببعض بمصطلحات الأكثر دق’ وشفافية.

المراجع التي تم الاستعانة بها:

ليست هناك تعليقات