شغف العلم الذي لا ينتهي

كيف يصل الدواء إلى هدفه داخل الجسم - ساينسوفيليا

 كيف يصل الدواء إلى هدفه داخل الجسم

كيف يصل الدواء إلى هدفه داخل الجسم - ساينسوفيليا


منة الله صفوت

مراجعة : محمد ياسر الصدفي 


عند تناول الأدوية لطالما كنا نتساءل كيف يعرف الدواء هدفه عند الإحساس بالألم مثلًا كيف يعمل الدواء على تخفيف ذلك الألم تحديدًا أو أيًا كانت المهمه التي يقوم بها الدواء فهو يعرف مكانها، في هذا المقال سوف نتحدث عن نبذه عن الآليات التي يستخدمها العلماء لجعل الدواء يعمل على هدف بعينة و سريان الأدوية في الجسم و العوامل التي تؤثر عليها.

دورة الدواء بالجسم:

تختلف دورة الدواء في الجسم تبعًا لطريقة تناول الدواء فبعضها يكون له تأثير موضعي و يحصل إمتصاص لكميات قليلة غير مؤثرة عادًة مثل الكريمات و المراهم و الغسول و أدوية الحموضة (و لكن هذه نتيجة عامل آخر غير طريقة تناول الدواء سوف نذكرها لاحقًا)، و بعض الأدوية تصل إلى الدورة الدموية و تؤثر على أماكن مختلفة في الجسم . في الحالات العادية يمر الدواء داخل جسم الإنسان بأربع مراحل رئيسية، و هم الإمتصاص، التوزيع داخل الجسم، الأيض، و اخيرًا خروج الدواء من الجسم.

أولًا: الإمتصاص:-

الإمتصاص هو إنتقال الدواء من مكان أخذه إلى مجرى الدم، إن معدل إنتقال الدواء و كميته التي تصل إلى مجرى الدم في هذه المرحلة يعتمد على عدة عوامل مهمه منها (طريقة أخذ الدواء و الشكل الدوائي الذي تم تصميمه سواء شراب أو كبسولات أو نحوها و أيضًا الخصائص الكيميائية للمركب).

 إن الشكل الدوائي يؤثر على مدى فاعلية الدواء و إستفادة الجسم منه، فالحقن و اللبوس مثلًا تدخل إلى الدم مباشرة دون التأثر بأي عوامل أخرى؛ مما يعطي فاعلية عالية في مدة قصيرة، على عكس الشراب و الكبسولات و نحوها؛ هذه الأشكال الدوائية تتأثر بالحمض المعدي و درجة الحموضة؛ و قد استفاد العلماء من هذه الخاصية في العديد من الأدوية؛ فمثلًا استفادوا منها لصنع أدوية الحموضة؛ حيث يكون لها تركيب كيميائي يمنع إمتصاصها في للحموضة العالية و بالتالي تؤثر في منطقة المعدة فقط.

كما تتأثر الأدوية بعملية الهضم فمثلًا الإنسولين عبارة عن بروتين و بالتالي إذا تم أخذه عن طريق الفم سوف يتكسر و يتم هضمه دون الإستفادة منه؛ لذلك يعطى على هيئة حقن تحت الجلد .

أيضًا الإنزيمات الكبدية تؤثر على معظم إمتصاص الأدوية التي تؤخذ بالبلع فيما يعرف بعملية الأيض الأولية (First pass metabolism)؛ و هي من العوامل الهامة التي يجب الإنتباه لها عند تجربة الدواء على الجسم؛ و هناك العديد من الأدوية التي توجد على هيئة حقن أو لبوس أو يجب أخذها تحت اللسان (و أشهر مثال لها أدوية الذبحة الصدرية المحتوية على النيتروجليسرين) حتى لا تتأثر بهذه الإنزيمات.

على الرغم من سهولة عملية البلع عن باقي الأشكال الدوائية و تفضيل المرضى لها؛ إلا أنها ليست فعالة دائمًا كما ذكرنا سابقًا في بعض الأمثلة؛ كما أنها تأخذ وقت أطول لتعطي فاعلية و الكمية التي تعطي تأثير من الدواء أقل من الجرعة التي تم تناولها، و هذه أيضًا من عيوب هذه الطريقة.

ثانيًا: توزيع الدواء في الجسم:-

إن عملية التوزيع من أهم مراحل الدواء في للجسم؛ لأنه بناءًا عليها يتحدد مدى فاعلية الدواء و كيفية عمله و آثاره الجانبية و ظهور أعراض سمية منه؛ إذا وصل جزء أكبر من اللازم للمكان الذي يؤثر به الدواء أو إذا كان الدواء يؤثر على مكان آخر غير الموجه له، حيث ينتقل الدواء في هذه المرحلة من الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة مثل خلايا الجسم أو الخلايا الدهنية أو البنكرياس أو القلب أو حتى المخ.

هناك عدة عوامل تؤثر على هذه المرحلة مثل سهولة سريان الدم و الكمية الواصلة للعضو الذي يؤثر عليه الدواء و ذوبانية الدواء في الدهون و حجم الدواء و مدى إرتباطه ببروتينات الدم خاصة الألبيومين.

من أشهر الأدوية التي تتأثر بالإرتباط بالألبيومين الوارفارين و هو دواء يزيد سيولة الدم؛ حيث أن معظم الدواء الذي يتناولة الإنسان يرتبط بالألبيومين و يتم ضبط الجرعة التي يتناولها المريض على هذا الأساس، و بالتالي عند إستعمال أدوية و التي يرتبط جزء منه بالألبيومين أيضًا يحل هذا الدواء محل الوارفارين بإرتباطه مع الألبيومين، و بالتالي تزداد نسبة الوارفارين في الدم؛ مما يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة قد تؤدي إلى التسمم أيضًا؛ لأن الوارفارين من الأدوية ذات المدى العلاجي الضيق و أي زيادة طفيفة قد تؤدي إلى زيادة حادة في السيولة، و الأسبرين أيضًا من الأدوية التي ترتبط بالألبيومين بدرجة عالية؛ لذلك يجب الحرص عند تناوله و التأكد من الصيدلي أو الطبيب عدم وجود أي تفاعلات دوائية.

 من أشهر العوامل التي تؤثر على توزيع الدواء هو مدى ذوبانيته في الدهون؛ فمثلًا الأدوية التي لا تذوب في الدهون لا تمر إلى المخ حيث يغطي المخ غشاء يعرف بحاجز الدم في الدماغ (blood brain barrier)، و هذا الغشاء يسمح فقط بمرور الأدوية الغير أيونية و التي تذوب في الدهون؛ لذلك عند صنع عقار يؤثر على المخ يجب التأكد من قابليته للمرور من ذلك الحاجز، و العكس أيضًا صحيح فعندما يكون هناك دواء من آثاره الجانبية أنه يؤثر على المخ؛ يحاول العلماء تحويله إلى صورة أيونية تعطي نفس الفاعلية و لا تمر من حاجز الدم الدماغي.

هناك عامل مهم و هو حجم الدواء؛ حيث أن معظم الأدوية عادًة تؤثر على أجزاء في الجسم تسمى المستقبلات إما تنشطها أو تمنع عملها، حيث أن المستقبلات تعمل على إستقبال الإشارات العصبية الصادرة من الجسم و التي تعمل على خروج مواد كيميائية معينة أشهرها الأدرينالين و الأسيتيل كولين التي عندما تتفاعل مع المستقبلات بروابط كيميائية تعطي أوامر مختلفة طبقًا لمكان وجودها للجهاز السيمباثاوي و الباراسيمباثاوي في الجسم (و هو موضوع يطول شرحه) (receptors)، و هذه المستقبلات منها أنواع عديدة لكل منها شكل كيميائي و حجم يختلف عن الآخر.

على سبيل المثال أشهر أنواع المستقبلات هي ألفا و بيتا و كلاهما يعمل عن طريق الأدرينالين، و لكن وجد العلماء أن إعطاء الأدرينالين يؤدي إلى تشغيل كل هذه المستقبلات و التي يوجد منها عدة أنواع في كل أجهزة الجسم تقريبًا (فعلى سبيل المثال لا الحصر ألفا١ و الذي يوجد في الأوعية الدموية و بعض عضلات العين و ألفا٢ و الذي يوجد في المخ و بيتا١ و يوجد في للقلب و بيتا٢ يوجد في الرئة و الرحم أيضًا) لذلك بدأوا بدراسة أنواع هذه المستقبلات المختلفة و وجدوا بينها إختلافات بسيطة في الحجم؛ حيث أن كل مستقبلات البيتا أكبر في الحجم من الألفا بالتالي عند إضافة بعض المركبات المناسبة للأدرينالين يعمل على البيتا فقط دون الألفا، و هناك العديد من التطبيقات لهذا الموضوع و التي يتم تدريسها على عدة سنوات لطلبة صيدلة و نحوها.

هذه أسهل الطرق للإجابة عن سؤال كيف يتعرف الدواء على هدفه فعادة الهدف يكون مستقبل معين؛ بالتالي يقوم العلماء بدراسته للتعرف على تركيبة الكيميائي، ثم صناعة مركب دوائي يستطيع أن يرتبط بالمستقبل بروابط كيميائية قوية و مناسبة. الطريقة الأخرى السهله أيضًا هي للتعرف على المادة التي تنشط المستقبل و صنع مثيل لها بروابط كيميائية مناسبة، و لأنه كما ذكرنا المستقبلات بعضها متشابه و بعضها يتواجد في أكثر من مكان تنشأ الأعراض الجانبية للأدوية.

ثالثًا: الأيض:-

يعد من أهم المراحل التي قد يحدث بسببها عدة تفاعلات خطيرة، أهم عضو في هذه المرحلة هو الكبد حيث أنه يفرز عدة إنزيمات و التي تعمل على تحويل الدواء النشط غالبًا في معظم الحالات إلى حالة غير نشطه مما يساعد على خروجها من الجسم، من أشهر الإنزيمات التي يفرزها الكبد هو (CYP450) و الذي يؤثر على العديد من الأدوية.

 بالطبع استفاد العلماء من هذا الأمر بطريقة أخرى، فنحن نحتاج في بعض الأحيان لأدوية تعطي مفعول طويل المدى أو تعمل على خلايا محددة دون الأخرد كالخلايا السرطانية في مرضى السرطان؛ بالتالي قام العلماء بصنع أدوية غير نشطة تحتوي على مركب مثلا زائد و يسمى (prodrug) و الذي يتكسر بإنزيمات معينة تتكون من الخلايا المراد التأثير عليها؛ و بالتالي عند تكسر المركب الزائد بعد فترة يخرج الدواء النشط ليقوم بعمله، و قد تستعمل هذه الطريقة لتطويل مدى فعالية الدواء أو منعه من التكسر قبل القيام بعمله فيمر أولًا بالإنزيمات المحلله و التي تزيل الجزء الزائد ليصبح دواء نشط و يصل إلى هدفه ليؤثر عليه.

هناك عدة عوامل تؤثر على هذه المرحلة أشهرها كبر السن فكلما تقدم الإنسان في العمر قلت كفاءة الكبد و الكلية خاصًة؛ و الذي قد يؤثر على فترة وجود الدواء في الجسم و مدى فعاليته؛ حيث أن هناك بعض الأدوية ينتج من وجودها في الجسم لفترة طويله أعراض جانبية خطيرة؛ لذلك يجب التأكد من وظائف الكبد و الكلى عند تناول هذه الأدوية.

العامل الآخر المهم أيضًا هو التفاعلات الدوائية؛ فهناك بعض الأدوية التي تقلل خروج الإنزيمات الأيضية من الكبد مما يؤثر على فترة و نسبة تواجد الأدوية الأخرى في الجسم إذا كان الشخص يتناول عدة أدوية في نفس الوقت؛ حيث تزيد نسبة تواجد الأدوية الأخرى في الجسم و بالتالي تأثيرها، من أشهر أمثلة هذا النوع من الأدوية بعض أدوية الفطريات مثل مادة الكيتوكونازول  (ketoconazole)و الإيتراكونازول .(itraconazole)

هناك أنواع أخرى من الأدوية و التي تزيد نسبة خروج الإنزيمات من الكبد؛ و بالتالي زيادة نسبة و سرعة أيض الأدوية الأخرى مما قد يؤدي إلى عدم إستفادة الجسم منهم أو عدم إعطاء تأثير طويل المفعول كما هو متوقع عند التصنيع، من أشهر الأدوية التي تزيد إنزيمات الكبد المضاد الحيوي المعروف بإسم ريفامبيسين (rifambicin)؛ و هو مضاد قوي يستعمل عادة في حالات خاصة شديدة فقط نتيجة تأثيراته الجانبية.  

رابعًا:- خروج الدواء من الجسم:

تعد الكلية هي العضو الأكثر أهمية في عملية خروج الأدوية، لأن معظم الأدوية تخرج في البول، يليها الكبد ثم الطرق الأخرى بنسب قليلة تكاد لا تذكر كالعرق و غيره.

نتيجة أهمية الكلى فإن أي تغير في حالة الكلى يؤثر على حالة الدواء، فمثلًا في حالة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكلى يجب تقليل جرعات الدواء و تظبيطها لتتناسب مع الحالة بعد إجراء فحص وظائف كلى، أو إستخدام أدوية تخرج عن طريق الكبد بنسبة أعلى، و مثال ذلك المسكنات العادية كالإيبيبروفين و الأسبرين يتم إخراجها عن طريق الكلى و عن تناولها لفترات كبيرة إو بجرعات عالية تؤثر سلبًا على الكلى؛ لذلك ينصح بإستخدام الباراسيتامول و مثائلة في حالات الإستخدام الطويل أو مشاكل الكلى، أو إستخدام الجيل الثاني من المسكنات و الذي يكون أغلى إلا أن ثأثيره على الكلى أخف قليلًا.

من أشهر الحالات التي يجب فيها تظبيط الجرعات أيضًا كبار السن؛ لأن الكلى تفقد قدرتها كلما تقدم العمر، أيضًا الأطفال الصغار و الرضع؛ لأن الكلى عندهم لا تعمل بكامل قدرتها، فيجب الإنتباه جيدًا للجرعات التي يتناولونها خاصًة من خوافض الحرارة و التي تخرج بنسب كبيرة من الكلى.

 

في النهاية ينبغي أن نعلم أن جسد الإنسان معقد و متصل بشكل غريب لذلك يصعب صنع دواء يؤثر فقط في مكان محدد دون آثار جانبية على الأجزاء الأخرى، إلا أن العلماء يحاولون دومًا صنع تقنيات جديدة لتقليل الآثاء الجانبية للأدوية بدراسة معمقة لكل التفاصيل الصغيرة في تكوين جسم الإنسان، فالأدوية ما هي مواد كيميائية يتم تسخيرها لخدمة الإنسان إلا أنها مثل أي شئ في العالم إذا تم إستخدامها بشكل خاطئ أو بنسب كبيرة قد تؤذي الإنسان؛ فيجب الإنتباه عند إستخدامها و التأكد من كونها نافعة في حالة المريض.

المصادر

https://www.genomind.com/360/an-introduction-to-pharmacokinetics-four-steps-of-pharmacokinetics

https://www.google.com/url?sa=t&source=web&rct=j&url=https://scholar.google.com.eg/scholar_url%3Furl%3Dhttp://flexiblelearning.auckland.ac.nz/medsci303/8/files/inhibition_and_induction_of_cytochrome_p450_and.3.pdf%26hl%3Dar%26sa%3DX%26ei%3D4S4xYbzkIKOVy9YPpOyLoAw%26scisig%3DAAGBfm3OrfryJ83-JZyqkqLvrWyljGeXgQ%26oi%3Dscholarr&ved=2ahUKEwiNvtbMi-HyAhVGLBoKHUQ2CQYQgAMoAHoECAMQAg&usg=AOvVaw3OLX-Diz-9efkzerG8kYn9


ليست هناك تعليقات