شغف العلم الذي لا ينتهي

تربة القمر وبنيتها المعدنية والصخرية - ساينسوفيليا

 تربة القمر وبنيتها المعدنية والصخرية - ساينسوفيليا 


تربة القمر وبنيتها المعدنية والصخرية - ساينسوفيليا

كتابة : متولي حمزة 

يعتبر القمر الأرضي (التابع للأرض) خامس أكبر قمر في المجموعة الشمسية، وذلك بالمقارنة بين حجمه وحجم الأرض. إذ يبلغ قطره ربع قطر الأرض تقريباً. ويعد القمر الأرضي ثاني أكبر قمر من حيث الكثافة بعد قمر آيو، وآيو هو القمر الداخلي من ضمن الأربعة أقمار الكبرى التابعين لكوكب المشترى، حيث يمتلك المشترى عشرات الأقمار التابعة له، ومن بينهم أربعة أقمار هم الأكبر في الحجم والأكثر شهرةً وتميزاً نظراً لشهرة مكتشفهم (غاليليو غاليلي) وهم: (آيو، أوروبا، غانيميد، وكاليستو). ويدور القمر حول الأرض حركة انتظامية في مدار إهليجي. والقمر هو أكثر الأجسام لمعاناً في السماء عند مشاهدته من على كوكب الأرض. وتعتبر القمر هو ثاني ألمع نجم فلكي بعد الشمس في المجموعة الشمسية.
 

تتكون تربة القمر أساساً من مجموعة الصخور الصلبة، وبعض الصخور الهشة، والتي تتفاوت فيما بينها في الكثافة. حيث تتألف تربة القمر من صخور البازلت، وهي الأكثر انتشاراً في التربة القمرية، والتي تبلغ كثافتها حوالي (3.31 جم/سم3). ومن مجموعة أخرى من صخور الأنورثوسيت، والتي تبلغ كثافتها حوالي (2.8 جم/سم3)، لذلك فإن صخور الأنورثوسيت -وهي الأقل كثافة- تطفو فوق صخور البازلت -وهي الأعلى كثافة- وهكذا. وتتألف تربة القمر مجموعة أخرى من الصخور الهشة المفككة، وهي ما يلي:

1- الزجاجيات المنتظمة الشكل:

تمثل الزجاجيات المنتظمة أهم مكونات التربة الصخرية القمرية. وهي عبارة عن أشكال منتظمة من الدوائر والمسطحات القمرية والقطرات وغيرها. وتتكون من تركيبات معدنية مختلفة تختلف ألوانها بين الأخضر والأحمر والبني والأصفر. وتتراوح أحجامها بين 1 مم إلى 1 سم.

2- المتجمعات الزجاجية:

تتكون من حُبيبَات زجاجية من الكريستوباليت والبلاجيوكليز، وبعض الحُبيبَات الصخرية الأخرى، والتي تتصل مع بعضها البعض عن طريق خطوط رفيعة سهلة الكسر، وتعبر نسبة تواجد هذه الفتاتيات أو المتجمعات الصخرية والزجاجية عن عمر وزمن تعرض هذه الأجزاء من تربة القمر للاصطدام بالنيازك.

3- البريشيا:

هذا النوع من الصخور هو السائد في الصخور المكونة للتربة القمرية، والتي تم اقتلاعها من خلال رحلة أبوللو 11. ويحتوي هذا النوع على فتات من الصخور والبريشيا ذات الأصل الناري. وتتراوح حُبيبَات هذا الصخر بين جسيمات صخرية غير مُصطدَمَة، وحُبيبَات صخور مُصطدَمَة. ولا توجد بها أي دلائل على حدوث تحول أو إعادة تبللور. ويتكون أساساً من زجاجيات بُنيَّة اللون. وتكون هشَّة عند الطرق بالمطرقة عليها عدة طرقات بسيطة.

4- البريشيا المتحولة:

تتواجدُ في الأماكن القمرية التي تعرضت للاصطدام بفعل النيازك. ويمكن تمْيــِــزَها عن البريشيا القمرية العَاديَّة. ولكن في الأماكن القمرية الحديثة توجد بعض صخور البريشيا القمرية فقط، وليس صخور البريشيا القمرية المتحولة، حيث لم تتعرضْ هذه المناطق القمرية الحديثة للاصطدام من قِبَل النيازك بعد.

5- أنواع أخرى متنوعة من الصخور:

توجد بعض الأنواع الأخرى من الصخور في التربة القمرية، مثل الصخور الدقيقة. حيث تتكون من حبيبات دقيقة وترابية نتيجةً للطحن المستمر، والذي يحدثُ نتيجةً للاصطدام بالنيازك. وتحتوي تربة القمر على صخور البريشيا القمرية العادية، والبريشيا القمرية المتحولة، بنسبةٍ أكبرُ من احتواءها على الصخور النارية مثل البازلت القمري. وتتميز التربة القمرية بوجود عناصر مُشِعَة بكثرَة على عكس العناصر الأرضية. وذلك بسبب أن القمر مُعرَض لعدد كبير من الأشعة الكونية. وقد ثبت تواجد عناصر مُشِعَّة مثل الصوديوم (النظير 22)، والكوبلت (النظير 56)، والكروم (النظير 60). وقد وُجِدَ أن نسبة البوتاسيوم إلى اليورانيوم في صخور التربة القمرية (2400:3100) أي بنسبة (3.3:3.8).

 

ومن أشهر المعادن المُنتشِرَة في تربة القمر، والتي تتألفُ أسَاسَاً من معادن داكنة اللون أو سوداء قاتمة، وهي معادن البيروكسين والأمفيبول، والتي تدخل في تكوين صخور البازلت القمرية. وهناك بعض المعادن الفاتحة اللون أو البيضاء الـمِــصْـــــفـِــــرَة، وهي مثل البلاجيوكلاز والكريستوباليت ذات اللون الأصفر الكناري أو الأصفر الفاتح، وما يلي مجموعة من أشهر المعادن المنتشرة في تربة القمر:

1- معدن البيروكسين: 

تُــبْــدِي معادن البيروكسين القمرية ظاهرة غير عادية، ألا وهي ظاهرة النسيج الفسيفسائي، ويُمكِن ملاحظته تحت الميكروسكوب المُستقطِب، حيث تظهر بعض حُبيبَاتِه ظاهرة الانطفاء الموجي. والانطفاء Extinction هي ظاهرة تحدث نتيجة عدم التوزيع المُنتظِم للعناصر التي تدخل في تكوين بللورات المعدن الواحد. حيث تُحدِث عِدَة انطفاءات واضاءات متتالية في البللورة الواحدة. جزء يُضِيء وجزء يُطفِئ داخل البللورة الواحدة من نفس المعدن. وهذا هو الانطفاء الموجي. وتنقسم بعض الحُبيبَاتِ الأُخرَى إلى حُبيبَاتٍ أصغر منها في الحجم مع اختلاف بسيط في الاتجاه الخاص بكل حُـبِــيــبَـــــــــة، والذي يصل أحياناً إلى خمس درجات. وتُــبْــدِي الحُبيبَاتُ الأصغر في الحجم تشوهات تأخذ اتجاهات مختلفة. وقد اُفْـتُــــــرِضَ أن السبب الرئيسي وراء تكون الفسيفساء النسيجية (النسيج الفسيفسائي) هو تعرض الصخر (صخر البازلت) إلى عملية تقسية أو تغير مفاجئ في بيئته الاستقرارية. مثل تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة بعد تبللور وبرودة أدت إلى انصهار بعض أجزاء من الصخر الواحد وبقاء الجزء الآخر. وقد أتَى هذا الانصهار نتيجةً لاصطدام نيزك بالصخر بالقُربِ من سطح القمر. إن التغيُّرات في معدن البيروكسين القمري تعتبر تغيرات واسعة النطاق. غير أن التحاليل الجيوكيميائية تجعله يقع في مجال معدن الأوجيت والأوجيت تحت الكلسي، وفي أحيانٍ نادرةٍ يصلُ إلى معدن البيجونيت. ويشبه التغيُّر في معادن البيروكسين من معادن غنية بالماغنسيوم إلى معادن غنية بالحديد الكثير من معادن البيروكسين، التي تتواجد في كثيرٍ من الصخور القاعدية، ويمكن أن يدل على وجود سلسلة من الصخور التي تكونت بفعل التمايز الصهاري، حيث تبدأ بالمعادن الغنية بالماغنسيوم، وتنتهي بالمعادن الغنية بالحديد. كذلك فإن الاتجاه من معادن البيروكسين الغنية بالكالسيوم إلى تلك الفقيرة بالكالسيوم مع بقاء نسبة الماغنسيوم ثابتة يشبه إلى حد كبير تلك التغير والانحدار الذي يحدث بالضبط في بعض أنواع من طفوح الثيوليت البازلتية Tholeiitic Basalt، وهو نوع آخر من أنواع الصخور البازلتية، التي تتواجد في بنية القمر، وكذلك في بنية الأرض. ومن الدراسات الجيوكيميائية التي أُجْرِيَت على الصخور القمرية ثَبُتَ وجود معدنين جديدين، احداهما يتواجد مشاركاً لمعدن البيروكسين. وهو نوع من صخور البيروكسينات يتركب من سيليكات الحديد والكالسيوم والماغنسيوم ورمزه الكيميائي FeMgCa(SiO2)3، وهو مُمَاثــِــل للتركيب الكيميائي لمعدن البيروكس منجايت manganeso-pyroxoid، ولكِن بما أنه يحتوي على كميَّة أكبر من عنصر الحديد في صورة الحديدوز Fe+2، ولا يحتوي على المنجنيز Mn+2، فقد سُمِيَ معدن البيروكس فرويت Ferrro-pyroxoid.

2- معدن الأوجيت:

ومِن أهم خواص هذا المعدن هو أن معدن الأوجيت Augite يُظهِر تباين كبير في خواصه الميكروسكوبية، حيثُ تَظهَر فيه خاصية التمنطق Zoning، وهذه الخاصية بدُورِها تُحدِث تكون مناطق داخل البللورة الواحدة تحت الميكروسكوب الضوئي المُستقطِب، حيثُ يَظهرُ في البللورة الواحدة عدة مناطق بعضها غني بالكالسيوم والبعض الآخر فقير بالكالسيوم. هذا يدل على أن بيئة تكوُّن صخور البازلت التي تحتوي على معدن الأوجيت كانت ظروف تبللور ليست بالسريعة لتكون معدناً واحداً مُتجانِساً، وليست أيضاً بالبطيئة لتكون معدنين مختلفين من الأوجيت مُنفصِلين تماماً عن بعضهما البعض، ويَكمُنُ السببُ وراءَ ذلك في أن ظروفٍ ما، مثل اصطدام نيزك بسطح القمر قد ساعد بشكل كبير في تكون معدن الأوجيت بهذه الخاصية، فلو كانت ظروف التبللور سريعة لكان من الأولى تكون معدن ذو ظهور موحد (أي بدون تمنطق) داخل نفس البللورة الواحدة، ولو كانت الظروف الخاصة بالتبريد بطيئة نسبياً لكان من الأجْدَرِ أن يتم تكوين نوعين مختلفين من معدن واحد مثل الأوجيت، والذي يعتبر من المعادن الأساسية Essential Minerals التي تدخل في تكون كلا النوعين من البازلت القمري والأرضي.

3- معدن الألمنيت:

معدن الألمنيت في العموم معدن غامق وداكن اللون، ويتكون من تيتنات الحديد، وصيغته الكيميائية FeTiO3، مع وجود كمية كبيرة من الماغنسيوم والمنجنيز. يحتوي المعدن الأرضي (المُنتشِر في بنية الأرض) منه على كميات كبيرة من أكسيد الحديديك  Fe2O3والتي تصل إلى 6% من نسبة التركيب الكيمائي للمعدن، وكذلك يحتوي على بعض شرائح من الهيماتيت Hematite والتيتانوهيماتيت Titano-hematite، ولكن معدن الألمنيت الذي يتواجد في صخور البازلت القمرية ينقصه أكسيد الحديديك  Fe2Oوذلك إذا ما قـُــورِنَ بمعدن الألمنيت التابع للصخور البازلتية الأرضية. وأظهرت بعض التحاليل الجيوكيميائية أن النسبة بين أكسيد التيتانيوم  TiO2وأكسيد الحديد FeO هي 50%:50% أي نسبة 1:1 في العموم.

4- معادن ثـانـويــــة مُــزَيـّـنَـــــة:

إلى جانب بعض المعادن الأخرى، مثل البلاجيوكلاز والكريستوباليت والأمفيبول، وبعض المعادن الثانوية الأخرى، وهي مجموعة من المعادن المُزيِنة Accessory Minerals للصخور القمرية والتي قلما تتواجد في صخور البازلت القمرية، وهي تسعة معادن: أوليفين، سليكا، فلسبار قلوي، سبينل، ماجنيتيت، أرملوكوليت، ترويليت، فلز الحديد، أباتيت. وبالنسبة لمعدن الأوليفين فقد سُجل تواجد نوعين منه وهما نوع غني الماغنسيوم وهو الفورشتريت Forsterite، وغالباً ما تكونت بللوراته في بداية تكون الصهارة. ونوع آخر غني بالحديد وهو الفياليت Phyllite، وهو الذي يتبللور في مراحل مُتأخِرَة من تكون الصُهارة.

 

تتكون القشرة الأرضية المحيطية Oceanic Crust من صخور سوداء معتمة اللون، تُسمى صخور البازلت البركانية (السطحية) النارية ذات اللون الغامق التام. وتتكون معظم صخور القمر من نفس النوع من هذه الصخور (البازلت)، بالضبط، وهي لها نفس التركيب العنصري (الكيميائي) حيثُ تتألف مِن عناصر الحديد والكالسيوم والماغنسيوم، وهي نفسها مثل التي تتواجد في صخور القمر كعناصر كيميائية أساسية، والأكثر انتشاراً بتربة القمر، مثلما تنتشر بقشرة الأرض المحيطية، وأيضاً تنتشر بباطن الأرض، والدليل على ذلك أن هذه الصخور (صخور البازلت) تنشأ عند مناطق قريبة من سطح الأرض (لِذَا سُميت سطحية)، ثم تصعد عند سطح الأرض كمنبثقات بركانية حمميّة منصهرة عن طريق البراكين (لِذَا سُميت بركانية أيضاً)، ثم تبرد لتكون الصخور الصلبة منها ليطلق عليها صخور نارية. ثم تُصنف كالآتي: صخور نارية بركانية سطحية خارجية سوداء اللون، أو قاعدية التركيب المعدني والكيميائي، أو صخور متكونة بشكل أساسي من الميكا السوداء المعتمة. لذلك يغلب عليها اللون الأسود الداكن المُعْتِم. وهي نفس الصخور التي تتواجد بنسبة عالية في تربة القمر بشكل مؤكد كما أظهرت لنا أحدث الدراسات المنشورة في الدوريات العلمية العالمية الشهيرة عن المُقـتَـلَـعَـــــات الصخرية المُقتلعَة من تربة القمر من خلال رحلات أبوللو، ولاسيما أبوللو 11. لذلك فإن في المجمل العام بنية القمر تشبه إلى حدٍ كبير بنية الأرض. فلهذا التشابه الكبير بين التركيب الكيميائي والمعدني للقمر وللأرض نشأَ القمر كابن لاحق من ملحقات كوكب الأرض.

ليست هناك تعليقات