شغف العلم الذي لا ينتهي

إستخدام تقنية تحليل طيف الرنين المغناطيسي لبول مرضى سرطان الكبد - ساينسوفيليا

إستخدام تقنية تحليل طيف الرنين المغناطيسي لبول مرضى سرطان الكبد 

تقنية واعدة قد تمكن العلماء من التوصل لدلالات حيوية جديدة لتشخيص المرض !!


كتابة : محمد ياسر الصدفي 
كاتب علمي وباحث بالعلوم الطبية 


إستخدام تقنية تحليل طيف الرنين المغناطيسي لبول مرضى سرطان الكبد  تقنية واعدة قد تمكن العلماء من التوصل لدلالات حيوية جديدة لتشخيص المرض !!


إن الكبد هو ثان أكبر أعضاء جسمنا حجما بعد الجلد , عضو حيوي يعمل كمدير إدارة الجسد وينظم عدد كبير من العمليات الحيوية والفيسيولوجية , ينظم معدل السكر في الدم بالتعاون مع البنكرياس , يضبط كفاءة سيولة الدم وتجلطه , ينظم حجم الدم , يزيل سمية المواد الكيميائية السامة التي تدخل الجسد كالكحوليات , يقوم بتكسير وأيض الكثير من الأدوية التي نتناولها , وغيرها من الأدوار التي عددها العلماء وتتجاوز ال500 وظيفة.
هناك أنواع عديدة من أمراض الكبد ومنها الفيروسية مثل فيروس التهاب الكبد B (HBV) وفيروس التهاب الكبد C. (HCV) ، أو سرطانية مثل سرطان الخلايا الكبدية (HCC) ، بالإضافة إلى مرض الكبد الكحولي (ALD) وغير الكحولي (NAFLD), ومرض الكبد الدهني . 

وفقا لتحليل إحصائي في عام 2017 , تسبب تليف الكبد في أكثر من 1.32 مليون حالة وفاة في العالم (66.7% من الذكور) و (%33.3 من الاناث) لجميع السنوات من 1990 الى 2017 ، كان معدل الوفيات هو الأعلى في أفريقيا  ، ومصر للأسف كانت أعلى معدل وفيات في جميع السنوات من 1990 حتى 2017

وعزت بعض الدراسات الوبائية الوضع في مصر لحملة العلاج التي أطلقتها وزارة الصحة المصرية لمكافحة داء البلهارسيا باعتبارها مشكلة صحية ذات أولوية من عام 1950 حتى 1980, حيث تسببت هذه الحملة واستخدام سرنجة واحدة لعلاج عدد كبير من المواطنين في نشر الفيروس والعدوى ومن هنا تصدرت مصر بالتبعية في عدد وفيات سرطان الكبد لتسبب فيروسات الكبد وبالأخص فيروس B  في تطور مرض الكبد الى سرطان الكبد .

يعد سرطان الكبد وأمراض الكبد بوجه عام من أكثر أسباب الوفاة في مصر لعدة أسباب أهمها ضعف البنية التحتية لقطاع الرعاية الصحية ونقص أدوات التشخيص المناسب بأسعار معقولة تساعد المريض والطبيب على استمرار متابعة تطور المرض. 

دائما ما يسعى العلماء والباحثين للوصول لتقنيات جديدة في تشخيص الأمراض أو التنبؤ بها مسبقا , وأحد هذه التقنيات التي أصبحت محط اهتمام كبير من باحثي علوم السرطان هي تقنية تحليل طيف الرنين المغناطيسي وإستخدامها بالأخص في تحليل البول لمرضى سرطان الكبد , في محاولة للوصول لدلالات حيوية Biomarkers  جديدة تساعد في تشخيص المرض بدقة أو التنبوء به مسبقا ومحاولة تأخير تدهور الحالة . 


إن سرطان الكبد Hepatocellular Carcinoma  يعد خامس أكثر أنواع السرطان شيوعا وهو الثاني من حيث معدل الوفيات من السرطان , بمعدل نجاة ضعيف حيث تشير االدراسات الأخيرة عن معدل نجاة أقل من خمسة بالمئة خلال الخمسة سنوات الأولى من الإصابة بالمرض حيث يصل تقريبا اجمالي عدد الوفيات سنويا الى أكثر من نصف مليون حالة وفاة بسبب ذلك المرض اللعين .

والأسباب المؤدية لهذا المرض عديدة لكن يمكن حصرها في الفيروسات الكبدية كفيروس C  وفيروس B  , وبعض المواد السامة للكبد كالأفلاتوكسين الناتج عن احد انواع الفطريات يدعى الأسبرجلس Aspergillus flavus , كما أن التدخين والإفراط في شرب الكحوليات وكذلك الكبد الدهني كلها أسباب ترفع من خطر الإصابة بمرض سرطان الكبد . 

على العموم , نحن بحاجة ملحة للوصول الى أنواع جديدة من الدلالات الحيوية لتشخيص سرطانات الكبد والتنبوء بها مستقبلا , وما يزيد الأمر إلحاحا قلة حساسية وتخصصية الدلالات الحيوية التي نعتمد عليها حاليا في تشخيص سرطان الكبد , يتصدر هذه الدلالات الخيار الذهبي للأطباء المتخصصين وهو تحليل يطلق عليه بروتين ألفا الجنينيalpha – feto protein  والذي تصل حساسيته إلى 70%فقط  أي أن نسبة الخطأ في التشخيص قد تصل الى 3 من كل 10 مرضى . 

من المعلوم أن الخلايا السرطانية تختلف عن خلايا الجسم الطبيعية في الخصائص الحيوية والبيوكيميائية والمورفولوجية ( الشكلية ) وبالتالي فإنها تختلف عن الخلايا الطبيعية في النواتج الإستقلابية الناتجة عن عمليات الأيض المستمرة داخل خلايانا . 

من هنا أتت الفكرة للعلماء المهتمين بهذه النقطة البحثية , إذن فلنقم بدراسة النواتج الإستقلابية في بول مرضى سرطان الكبد  بتقنية ال H-NMR ونقارنها بالنواتج الإستقلابية في الأشخاص الطبيعيين  ,وبناء عليه قد نتمكن من الوصول الى كواشف ودلالات حيوية جديدة تجعل التشخيص والتنبوء أسهل بكثير.

.....................

وهنا أسمعك عزيزي القارئ تطرح سؤالا هاما , يا ترى ماذا نعني بتقنية التحليل طيف الرنين المغناطيسي بوجه عام ؟ 

سأجيبك دون الدخول في التعقيدات الفلسفية العلمية , هذه التقنية استغلت الخاصية المغناطيسية لعنصر الهيدروجين بإعتبار ذرته مغناطيس وكذلك أنواع أخرى من ذرات العناصر كعنصر النيتروجين والحديد على سبيل المثال. يحصل العلماء من جهاز الرنين المغناطيسي بعد تحليل العينات على بيانات معقدة من مجموعة من القمم كل قمة تمثل مجموعة كيميائية او رابطة كيميائية معينة يعلمها العلماء المتخصصون , وبالتالي تساهم هذه التقنية في تطبيقات الجودة والنقاوة للمركبات الكيميائية , وأيضا معرفة وحل التركيب الكيميائي للعينات المجهولة بعد مطابقة البيانات الخارجة بقاعدة البيانات المحفوظة. 

 

شكل البيانات الخارجة من جهاز الرنين المغناطيسي البروتوني لمادة الإيثانول

كل قمة توضح مجموعة كيميائية معينة

..........................

تقول الدكتورة زهراء الخطيب الباحث والمدرس المساعد بالمعهد القومي للكبد والتي ينصب إهتمامها البحثي حاليا على إستخدام تقنية تحليل طيف الرنين المغناطيسي لعينات البول المأخوذة من مرضى سرطان الكبد " تركز الآن العديد من المشاريع البحثية في مجال تشخيص السرطان على إمكانية التوصل لدلالات حيوية جديدة تساعد في تشخيص سرطان الكبد عن طريق عينة بول المريض معمليا بأسلوب أشبه بشريط الكشف dipstick المتوفر في جميع معامل التحاليل والذي يستخدمه أخصائيين التحاليل الطبية في الكشف عن زيادة بعض المواد البيوكيميائية في البول كالأسيتون والجلوكوز على سبيل المثال في مرضى السكر والبروتين والنيتروجين وغيرها" 

 

شريط تحليل البول المتوفر في معامل التحاليل الطبية 


وتعتمد هذه الأبحاث بشكل أساسي على دراسة بول عدد من مرضى سرطان الكبد بهذه التقنية ومقارنتها بنتائج عدد من الأصحاء ودراسة الدلالات الحيوية التي طرأ عليها التغير كالكرياتينين والكارنتين والجلايسين والحمض الأميني البيروفيت وعدد آخر من الدلالات .  

أخيرا فإن جميعا على درجة كافية من الوعي والإدراك لمدى معاناة هذه الفئة من المرضى المحاربين الأبطال , ونأمل أن تكلل كل مجهودات العلماء والباحثين في إحداث أي إنجاز علمي قد يسهل الكثير ويخفف من العبء العظيم الذي يتكبده مرضى السرطان وذويهم .

كتابة : 

محمد ياسر الصدفي 

باحث بالعلوم الطبية وكاتب علمي 

دبلومة الدراسات العليا في الميكروبيولوجي 

دبلومة الدراسات العليا في الكيمياء الطبية والحيوية 

دبلومة الدراسات العليا في البايوفزكس 

وباحث ماجستير تخصص البايوفزكس (سمية المواد الحافظة للطعام ) 


المصادر 

1- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5708191/

2- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S111001682100209X

3- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/31981519/


ليست هناك تعليقات