شغف العلم الذي لا ينتهي

نبات النعناع وأهميته الطبية والعلاجية - ساينسوفيليا

 

 نبات النعناع وأهميته الطبية والعلاجية

بقلم:  محمد حماده الشافعي
مراجعة علمية: د/ هبة عزت هاشم

نبات النعناع وأهميته الطبية والعلاجية - ساينسوفيليا


النعناع، مشروب الملوك، اتسم عن بقية عائلته من الأعشاب بالرائحة الذكية، التي يكاد لا يوجد إنسان واحد إلا واستأنس بها، واستمتع بشمها، له طعم به شيء من اللذعة، يسبب الشعور ببرودة اللسان عند مضغه. نبات مشهور عند العامة والخاصة! يستخدمه الناس على الدوام في صورة  مشروب لذيذ؛ كي يُطهر بطونهم، ويقوي مناعتهم، ويعالج الحموضة، ويخفف آلام المغص، وكذا إلى آخره، ونداء بائعون النعناع المشهور دلّ على خبرتهم الموروثة، فتسمعهم يقولون: يا نعناع يا مطهر الفم ويا مروق الدم!!.  كل هذا قد نبع من فطرتهم الذكية وتجاربهم الحياتية، دون أن يعرفوا ما في النعناع من مواد كيميائية كانت لها الخصائص الطبية التي ينتفعون بها. نعم، كل هذه الفوائد التي أدركها المصريون منذ القدم وجاء العلم الآن ليبرهن ويثبت بالتجارب والأبحاث العلمية ما كان يعتقده الأجداد!

نعم، يحتوي النعناع على الكثير من المركبات الكيميائية، التي تُساهم في تشكيل رائحته الذكية، وخصائصه الطبية!، والتي سوف نعرضها الآن بصورة موجزة في هذه الورقة العلمية، ولكن قبل عرضها، ينطلق بنا الشغف، وحب المعرفة، إلى بعض اللطائف العلمية والتاريخية حول هذا النبات، كسبب تسميته، وأول مَنْ عرفوه واستخدموه....إلخ.

  سبب تسمية النعناع باسم (mentha)!!

«منثا - Mentha» كلمة لاتينية، تعني في مجملها الجمال والرائحة الذكية، وهناك بعض الأساطير اليونانية حول هذه التسمية - الأسطورة هي ما سطّرها الأقدمون- فيقال أنّ الملكة (بروسبين - proserpine) زوجة ( بلوتو - pluto) علمت أن هناك واحدة اسمها "منت أو منث"، تتعلق بحب زوجها الملك، فغتاظت الملكة بوسبين، وبسبب الغيرة النسائية القاتلة على زوجها من منث، قامت إلى الناس وأتت بحزمة من نبات النعناع، ووضعته على الأرض في طريق المارّين، وقالت زاعمة: أنها سحقت وسخطت "منث" في هذا النبات الموضوع على الأرض، وأمرت الناس أن يدهسوه بأرجلهم، ومن يومها اشتهر نبات النعناع عند اليونانين  بالكلمة الاتينية Mentha أو Minthe، هذه القصة أو الاسطورها -حدثت أو لم تحدث- وجدتها مذكورة في الكتب العلمية والمراجع المعتمدة، فرأيت أنه لا بأس من التطرق إليها من باب الاستئناس بالمعرفة.

النعناع في كتالوج الأدوية!!

على نطاق واسع في الطب التقليدي عند أجدادنا المصريين القدماء «وليس الفراعنة»، ثم انتقل بعد ذلك إلى اليونان ثم إلى الرومان، وبذلك بدأ ينتشر في سائر الأقطار والأمصار، ولكن "في البدء كانت مصر". في العصر الحديث لم يتم وصفه رسمياً، إلا عام 1696م؛ عندما اكتشف عالم النباتات الإنجليزي (جون راي - John Ray) النعناع الفلفلي «نوع من أنواع النعناع». دخل النعناع دستور الأدوية في لندن عام 1721 م، ومصر العظيمة تعرفهُ وتستخدمه على مر التاريخ منذ أن كان لهذا النبات تاريخ!!!!!

التفسير الكيميائي لرائحة النعناع!

رائحة النعناع، رائحة مميزة جداً، لا يمكن الاشتباه بينها وبين نبات أو عُشب آخر، ولعل أشهر المركبات الكيميائية المسؤولة عن هذه الرائحة، هو مركب كيميائي عضوي يُسمى (المنثول - Menthol)، من طائفة الكحولات الثانوية الحلقية المشبعة.

زيت النعناع و تركيبته الكيميائية!

زيت النعناع (Mentha Volatile): هو الزيت الذي يتم استخلاصه من أوراق وسيقان نبات النعناع، ويدخل زيت النعناع في تركيب كثير من مستحضرات التجميل والأدوية، كصناعة معجون الأسنان، وقطرات إنسداد الأنف والشُعب الهوائية....

زيت النعناع له أنواع متعددة ذات تراكيب وتركيزات مختلفة، ويرجع هذا التعدد والإختلاف إلى نوع النعناع الذي يتم استخلاص الزيت منه. فعلى سبيل المثال (لا الحصر):-

1- النعناع  الاسكتلندي (M.Spicate.ssp): الزيت المستخلص منه بيحتوي على مركبات كيميائية كثيرة، ولكن  يغلب فيه مركب (الكارفون - Carvone)، ومركب (أكسيد البيبرتينون - Piperitenone oxide).

2- النعناع البرغموتي (M.Citrat): يغلب في الزيت المستخلص منه مركب (لينالوول-Linalool)، ومركب (خلات اليناليل -Linalyl acetate).

3- النعناع الأوروبي (M.Pulegium): هذا النوع من النعناع ينتج زيت يُسمى "بالزيت النرجسي"، يغلب فيه مركب (البوليجون -  Pulegone).

4- النعناع الياباني (M.aruensis): المركبات السائدة في الزيت المستخلص من  هذا النوع من النعناع، مركبات المنثا Mentha، مثل: (المنثول - Menthaol)، و(المثانون - Methanone)، و(المنثان -  Menthane)، و(أسيتات المنثيل -Menthyl acetate)، وبعض التربينات Terpenes، مثل: (كامفين - Camphene)، و(مركب الليمونين - limonene)، ومركب (البيبين - pipene).

وهكذا...كل نوع من أنواع النعناع يُستخلص منه زيت ذو تركيب كيميائي مختلف جزئياً عن الآخر. لماذا الإختلاف جزئي؟.لأنه بلا شك هناك تشابه كبير بين التكوين الكيميائي لمجمل هذه الزيوت. فمركب المنثول -مثلا- يوجد في كل أنواع الزيوت، لكن يختلف نسبته من نوع لآخر، نظراً لنوع النعناع المستخلص منه، وكذا الظروف المناخية التي زُرع فيها النعناع، فتكون نسبته أعلى في المناطق الاستوائية.

التكوين الكيميائي للنعناع!

1. المركبات الكيميائية الموجودة في زيت النعناع كما أشرنا لذلك في العنصر السابق.

2.   الأحماض الفينولية، مثل: حمض (الكافيك - Caffei acid)، وحمض ( الروزمارينيك - Rosmarinic).

3.   الفلافونون، مثل: (مشتقات الأريوسيترين - Eriocitrin derivatives).

4.   بعض الفيتامينات، مثل: فيتامين C.

5.   بعض أنواع التربينات الغير مشبعة، مثل: مركب (ثيمول - Thymol).

6.   بعض العناصر الأساسية المهمة، كالحديد والكالسيوم وغير ذلك.

الخصائص الطبية لنبات النعناع!

1.   مضادات الأكسدة  Antioxidant activity: حيث  يوجد في النعناع مواد كيميائية تمنع حدوث أكسدة الخلايا وتقليل فرص الإصابة بالسرطان، كأحماض الفينوليك والفلافونيد التي أشرنا إليها في العنصر السابق.

2.   مضادات الميكروبات Antimicrobial activity: النعناع يُطهر البطن من البكتريا والميكروبات التي تغزوا الجسم سواء عن طريق التنفس أو الطعام أو كذا إلى آخره.

3.   مضادات الالتهاب Anti Inflammatory activity: وكذلك ينصح الأطباء بتناول الليمون والبصل والنعناع يومياً بعد قضاء المهام والواجبات ودخول البيت؛ بحيث -لا قدّر الله- لو سلّمت على شخص ما مصاب بالعدوى، أو الإنفلونزا، أو فيرس -كفيروس كورونا الذي خيَّمَ على عالمنا في هذه الأونة العصيبة، نسأل الله أن يرفعهُ عنَّا- عندئذ يقوم النعناع بتقوية الجهاز المناعي؛ لطرد ما عساهُ أن يُصيبك من أذى.

4.    مبيدات حشرية  Anti insecticidal activity: ربما يتعجب البعض الآن من أنَّ النعناع يستخدم كمبيد حشري!! لا عجب في ذلك، فلقد خلق الله -سبحانه وتعالى-  كل شيء  وجعل فيه النفع والضر!!، كالتفاح مثلا: له فوائد عديدة ومديدة مع أن بذوره  سام؛ يحتوي على مركبات (السيانيد -CN)، وكذلك بذور المشمش والخوخ كلها سامة؛ لاحتوائها على مركبات السيانيد، فيستخلص منها بعض السموم المبيدة  للحشرات، والإنسان لا يموت من أكل هذه البذور مع كونها سامة؛ لأن تركيز السيانيد فيها ضعيف غير كافي للمقدار الذي يتأثر به بني البشر بخلاف الحيوانات والحشرات الأخرى، نفس الحال والنظام هنا في بعض أنواع نبات النعناع، يُستخلص منه بعض الزيوت التي تُستخدم في إبادة الحشرات. وهناك أبحاث علمية كثيرة -ذكرتُ بعضها في المراجع- شرحت ووضحت أن المملكة العربية السعودية كانت تقوم بتوزيع نبات "النعناع البري" في المنطقة الجبلية الغربية وفي مخازن الحبوب؛ لإبعاد وإبادة القوارض والبعوض والآفات عن حبوب القمح.

5.    يستخدم النعناع في علاج اضطرابات الجهاز الهضمي، وتخفيف آلام المعدة والصدر، وعلاج الحموضة، والمغص المعوي.


المراجع العلمية:

F.Brahmi, M.Khodir,C.Mohamed and D.Pierre. "Chemical Composition and Biological Activities of Mentha Species". In book: Aromatic and Medicinal Plants - Back to Nature(2017),Chapter3,pp.48-76. DOI: 10.5772/67291

K. Rajamani, L. Nalina, Laxminarayana Hegde. "Chapter of Mints (Mentha sp.),in book: Medicinal and Aromatic Crops, pp.78-83

 Peeyush Kumar, Sapna Mishra, Anushree Malik, Santosh Satya. "Insecticidal properties of Mentha species". Industrial Crops and Products 34 (2011), pp.802–817. doi:10.1016/j.indcrop.2011.02.019

Gracindo, L. A. M. B, Grisi, M. C. M, Silva, D. B, Alves, R. B. N, Bizzo, H. R, Vieira, R. F. "Chemical characterization of mint (Mentha spp.) germplasm at Federal District, Brazil". Rev. Bras. Pl. Med., Botucatu, 8 (2006), pp.5-9.


ليست هناك تعليقات