شغف العلم الذي لا ينتهي

قصة اكتشاف الإنسولين - ساينسوفيليا

 

قصة اكتشاف الأنسولين- دكتور فريدريك بانتينج

كتابة: أحمد ماهر زهران
مراجعة: رغدة لطفي.

قصة اكتشاف الإنسولين - ساينسوفيليا


مرض السكري قبل اكتشاف الأنسولين 

ظهر أول وصف لمرض السكري (diabetes mellitus) في بردية إيبرس (Ebers) في مصر القديمة في عام 1552 قبل الميلاد، وأيضاً تم وصف المرض وعلاجات طبية له قديما في الصين والهند. 

قدم الطبيب اليونانيAretaeus of Cappadocia "129-199" مصطلح "diabetes" من الكلمة اليونانية "siphon", حيث أشار إلى أن مرض السكري يسبب التدفق المستمر للبول. 

في عام 1776م اكتشف الطبيب الليفربولي - فيلسوف الطبيعة وأحد علماء علم وظائف الأعضاء التجريبي - ماثيو دوبسون (Matthew Dobson) أن بول مرضى السكري حلو المذاق بسبب زيادة السكر فيه، ونشر هذه النتيجة في الملاحظات والاستفسارات الطبية. 

فقد كان مرض السكري قبل القرن العشرين -قبل إتاحة الأنسولين- أحد أخطر الأمراض المناعية، فقد كان علاجه الوحيد هو الامتناع عن الأكل وبعض العلاجات الطبية المختلفة التي لا تتخلص من المرض، وكان تشخيص المرض سيئا للغاية. 


في بداية القرن العشرين وقبل اكتشاف الأنسولين، أيد الطبيبان (Allen and Joslin) الصيام والنظام الغذائي محدود السعرات الحرارية (calories) لمرضى السكري؛ وأدى ذلك إلى تحسين وتقليل الغيبوبة وتأخير وفاة الأطفال المصابين بالسكري، وتم نصح جميع المرضى بتقليل تناول السكر والكربوهيدرات، كما نصح أولئك الذين يعانون من السمنة بفقدان الوزن. 

فريدريك بانتينج  Frederick Banting - صاحب فكرة اكتشاف الأنسولين :

كان السير فريدريك بانتينج - طبيب وعالم- مشاركًا في اكتشاف الأنسولين insulin، وهو هرمون ذو أهمية حاسمة في تنظيم مستويات السكر في الدم.
 فعندما يقل افراز الأنسولين؛ يزداد مستوى السكر بالدم ويعرف ذلك بمرض السكري.
 وباكتشاف بانتنينج للأنسولين؛ تمكن ملايين من مرضي السكري في جميع أنحاء العالم من إطالة حياتهم لعقود. 

 في عام 1923، أصبح بانتينج أول كندي وأصغر شخص في سن 32 يحصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء و الطب؛ لاكتشاف واستخلاص الأنسولين.

كيف بدأت حياة دكتور بانتينج؟

 وُلد بانتينج في مزرعة في أونتاريو (Ontario ) في كندا يوم 14 نوفمبر 1891. 
قادته تجربتان في الطفولة إلى اختيار مهنة في الطب، 

  • الأول كان انهيار سقف كان يعمل عليه رجلان؛ فركض بانتينج بسرعة للحصول على طبيب المدينة، الذي أدى وجوده إلى تهدئة المشهد الفوضوي.
  •  والثاني يتعلق بأحد أقرب صديقاته (جين Jane), كانت صحتها جيدة حتى سن الرابعة عشرة، عندما بدأت تفقد وزنها واشتكت من عطش لا يطفأ, وتوفيت جين بعد بضعة أشهر من مرض السكري، وكان بانتينج واحد من حاملي النعش لها, تساءل كيف لم يجد أي طبيب علاجًا لمثل هذا المرض الرهيب.

بداية فكرة  اكتشاف الأنسولين:

 على الرغم من أن رغبة بانتينج في أن يصبح طبيبًا تعارض في البداية مع رغبات أسرته، فقد تمكن في النهاية من الانتقال من كليته اللاهوتية (حيث كان يدرس علم التوحيد) إلى كلية الطب بجامعة تورنتو (Toronto) في كندا.

بينما أوقفت الحرب العالمية الأولى تعليمه لفترة وجيزة، حيث التحق بالجيش الكندي، وخدم مع فيلق سيارات الإسعاف في فرنسا. 

وعندما انتهت الحرب عاد بانتينج لإكمال تدريبه كجراح عظام في مستشفى الأطفال في تورنتو (Toronto)، ثم فتح مكتبًا في لندن في أونتاريو بكندا. 
نظرًا لأن العمل كان بطيئًا والأرباح قليلة عمل بدوام جزئي في جامعة ويسترن أونتاريو (Western Ontario) كأستاذ, وكانت إحدى محاضراته عن البنكرياس، وكجزء من تحضيره، استعرض بانتينج بدقة جميع المعلومات المعروفة عن الغدة البنكرياسية, فكانت بداية اشتعال مصباح فكرة اكتشاف الأنسولين.

كان من المعروف أن البنكرياس ينتج عصارات مختلفة تتدفق إلى الأمعاء للمساعدة في تكسير الطعام. ومع ذلك، أظهرت التجارب التي أجراها الدكتور جوزيف فرايهر فون ميرينغ والدكتور أوسكار مينكوفسكي (Dr Joseph Freiherr von Mering and Dr Oscar Minkowski) في عام 1890 أن الكلاب المصابة بتلف في البنكرياس أظهرت أيضًا العديد من سمات مرضى السكر البشري.

 في عام 1900 علق الدكتور يوجين ليندسي أوبي (Dr Eugene Lindsay Opie) بأن بنكرياس مرضى السكري يبدو طبيعيًا باستثناء مجموعات من الخلايا المنكمشة المسماة جزر لانجرهانز، ويؤكد ذلك الإرتباط بين فشل جزر لانجرهانز والسكري. 


ووصف تقرير للدكتور موزيس بارون (Dr Moses Barron) تشريح جثة مريض انسدَّت القناة البنكرياسية به بسبب حصوات البنكرياس؛  فدمرت خلايا  (acinar) -تجويف صغير يشبه الكيس في الغدة البنكرياسية- ولكن ظلت خلايا جزر لانجرهانز حية.

فكان هذا مشابهًا للتجارب التي أجراها الدكتور ليونيد سوبوليو (Dr Leonid Ssobolew) في عام 1901، حيث ظلت خلايا جزر لانجرهانز في الكلاب قابلة للحياة حتى بعد ربط قنوات البنكرياس." 

في الليلة التي سبقت محاضرته، كان بانتينج يفكر في هذه المعلومات قبل النوم مباشرة. كتب في دفتر ملاحظاته: "Diabetes." 

  • اربط قنوات البنكرياس للكلب.

  • إبقاء الكلاب على قيد الحياة حتى تتدهور خلايا أسيني (acini) تاركة جزر لانجرهانز.

  • حاولْ عزل الإفراز الداخلي لهذه المواد وحقنها بمرضى السكري. 

فكانت بمثابة بذرة أولي تجارب بانتينج لاكتشاف الأنسولين.

 من فكرة علي الورق إلي اكتشاف الأنسولين: 

 في تجارب سابقة، تم إعطاء مستخلص بنكرياس سليم لمرضى السكري دون أي تحسن؛ فاقترح بانتينج أن الخطوة التالية هي تطوير مستخلص نقي من خلايا جزر لانجرهانز فقط, وسرعان ما تواصل مع البروفيسور جون جيمس ريكارد ماكلويد

(John James Rickard Macleod) الخبير في التمثيل الغذائي للكربوهيدرات الذي ترأس معملًا كبيرًا في جامعة تورنتو, فلم يهتم البروفيسور ماكلويد في البداية بنظرية بانتنج، لكنه سمح له في النهاية باستخدام المختبر. 

في مايو 1921، بدأ بانتينج التجربة بمساعدة الدكتور تشارلز هربرت بست (Charles Herbert Best) طالب الطب البالغ من العمر 21 عامًا. 

قاموا أولاً بربط قنوات البنكرياس للكلاب؛ بعد عدة أسابيع أزالوا البنكرياس المصاب بالضمور وصنعوا خلاصة، حقنوها في وريد كلبة، كان بنكرياسها قد أزيل قبل عدة أيام, بعد ساعة كان هناك تغيير ملحوظ في سلوك الكلبة, كانت قادرة على رفع رأسها والوقوف وحتى هز ذيلها, كان هناك انخفاض كبير في مستويات السكر في دم الكلبة، حيث إن مستخلص خلايا جزر لانجرهانز كان سبب هذا الانعكاس.

 ومع ذلك، فإن هذا النجاح لم يدم طويلاً، حيث كان الانخفاض في نسبة السكر في الدم مؤقتًا؛ أدرك بانتينج أنه بحاجة إلى مصدر أكبر لمستخلص البنكرياس، وسرعان ما أصبح على دراية بتقرير جديد يصف كيف أن بنكرياس الحيوانات الجنينية والمواليد لديها نسبة أعلى من خلايا جزر لانجرهانز مقارنة بالبنكرياس البالغ. 

نظرا لقضاء طفولته في مزرعة، عرف بانتينج أنه في وقت ذبح الأبقار، كانوا يتخلصون من الأجنة, فمكنه من الحصول عليها من التجار لإجراء الأبحاث عليها, ومن دواعي سروره أن مستخلص جزر لانجرهانز الذي تصنعه البقرة كان يعمل تمامًا مثل المستخلص المصنوع من الكلاب. 

عندما عاد البروفيسور ماكلويد من إسكتلندا، تساءل عن البيانات وطالب بإجراء تجارب إضافية لاعتقاده أن ما تم غير كاف, اعتبر بانتينغ هذه الانتقادات توبيخًا شخصيًا وهدد بالمغادرة إلى الولايات المتحدة لإنهاء عمله, تمكن أعضاء هيئة التدريس في الجامعة من إقناع بانتينج بالبقاء، على الرغم من أن العلاقة بين الاثنين ستظل متوترة إلى الأبد.

 مع استمرار التجارب، أدرك البروفيسور ماكلويد أهمية اكتشافهم وسرعان ما كرس مختبره بالكامل للمشروع. كما قرر تغيير اسم المادة إلى "الأنسولين"، وهي كلمة لاتينية تعني كلمة "الجزيرة" إشارة إلى جزر لانجرهانز, بمساعدة عالم الكيمياء الحيوية  الدكتور جيمس كوليب (James Collip)، تمكن الفريق في النهاية من تنقية الأنسولين للاستخدام البشري.

جائزة نوبل تتجزأ علي أربع أفراد لأول مرة

 أصبحت التفاصيل الدقيقة لمدى مساهمة البروفيسور ماكلويد في البحث مجالًا للنقاش الخلافي.
 وفقًا لما ذكره بانتينج  أنه لم يشارك البروفيسور ماكلويد في التجارب الأولية فقط بعد عودته من إسكتلندا. 

عارض البروفيسور ماكلويد هذا الادعاء مشيرًا إلى أنه قاد بانتينج ودكتور بست منذ البداية. ومع ذلك كان من المعروف على نطاق واسع أن هناك عداء كبير بين الرجلين، حيث شعر بانتينج أن البروفيسور ماكلويد كان ينسب الفضل أكثر مما يستحق. وصلت هذه المرارة إلى ذروتها في عام 1923، عندما مُنح كلاهما جائزة نوبل لاكتشاف الأنسولين. 

كان بانتينج غاضبًا من منح البروفيسور ماكلويد الجائزة بينما لم يُذكر الدكتور بست، ورفض في البداية التكريم, ولكن تم إقناعه في النهاية بتغيير رأيه، وقرر بانتينج أيضًا أن يكرم بشكل عام الدكتور بست ومشاركة نصف أموال جائزته معه.
 وحتى لا يصبح موقف البروفيسور ماكلويد سيئ، أقر بمساهمة الدكتور كوليب في مشروع اكتشاف الأنسولين وتقاسم معه جائزته المالية.

المصادر:

• https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3714061/#!po=2.08333

 • https://www.britannica.com/science/history-of-medicine/Insulin

 • https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5331123/#!po=73.8095

ليست هناك تعليقات