كيمياء المشاعر الإنسانية ومكعب لوفهايم - ساينسوفيليا

 

كيمياء المشاعر الإنسانية

شرح مكعب لوڤهايم لفهم كيمياء المشاعر الإنسانية

بقلم: آية محمد شكري

مراجعة: د. رغدة لطفى

تأثير بعض الناقلات العصبية على المشاعر الإنسانية المختلفة ومن ثم سلوكه.

لا شك أن شعور الإنسان هو المحرك الرئيسي لسلوكه، فكثيرا ما نسبوا عدوانية هذا الشخص لشدة غضبه، أو لطف ذاك الآخر لعمق سعادته.

ووجد العلماء أن تلك المشاعر الإنسانية نِتاج إستجابة الجهاز العصبي لبعض الناقلات العصبية الكيميائية التي تفرز طبيعياً ولفترة مؤقته تبعا للمواقف المختلفة.

ماهي الناقلات العصبية(Neurotransmitter) ؟

هي مواد كيميائية تقوم بنقل رسائل عصبية من الخلايا العصبية(الأعصاب) إلى جميع خلايا الجسم، الأمر الذي يترتب عليه جميع وظائف الجسم بدءاً من حالته المزاجية وحتى الحركات اللاإرادية.

توجد أنواع عدة من الناقلات العصبية منها الدوبامين(Dopamine)، والأسيتيل كولين(Acetyl choline)، والهستامين(Histamine).

سنتحدث في هذا المقال عن تأثير الناقلات العصبية أحادية الأمين -تنتج من حمض أميني واحد- وهي :

الدوبامين(Dopamine) والنور أدرينالين(Noradrenaline) ينتجا من حمض أميني التيروسين(Tyrosine)، والسيراتونين (Serotonin) ينتج من التربتوفان (Tryptophan). 

جدول يوضح أماكن إفراز وأماكن تأثير الناقلات العصبية أحادية الأمين

أنواع المشاعر الإنسانية

تبعا لنظرية العاطفة المنفصلة (Discrete emotion theory) قسم العلماء المشاعر الإنسانية إلى ثمانية مشاعر منفصلة وهي الفرح والحزن والاهتمام والاحتقار والخجل والدهشة والخوف والغضب. 

هذه المشاعرالإنسانية هي مشاعر أولية، أي أنها الدافع وراء مشاعر أخرى، أوسلوكيات مختلفة للإنسان، فعلى سبيل المثال:

يحفز الخوف سلوك الهروب، ويحفز الخجل سلوك الإنسحاب والانطواء، كما يحفز الغضب السلوك العدواني. 

تأثير الناقلات العصبية أحادية الأمين على المشاعر الإنسانية. 

للناقلات العصبية أحادية الأمين تأثيرا قويا على الحالة المزاجية والشعورية للإنسان ومن ثم سلوكه. 

وأهم هذه الناقلات هي:  

السيراتونين والدوبامين والنورادرينالين. 

هذه الناقلات العصبية تعرف بنظام الناقلات أحادي الأمين (monoamine transmitter system). 

تتشارك الناقلات العصبية الثلاث في عدة خصائص منها: 

1. تنحدر جميعها من حمض أميني واحد كما ذكر من قبل. 
2. تنتج هذه الناقلات بواسطة أعصاب خاصة موجودة في منطقة صغيرة أعلى جذع الدماغ (brain stem). 
3. تنفذ هذه الناقلات العصبية خلال القشرة المخية (cerebral cortex) وهي منطقة تتحكم في السلوك العاطفي. 
4. ترتبط الناقلات العصبية الثلاث بجميع أنواع المستقبلات والتي يكون أغلبها مستقبلات استثارة (excitatory)؛ ما يعني زيادة احتمالية حدوث جهد فعل عصبي (action potential) ينتج عنه رد فعل. 

يساهم هذا النظام المكون من ناقلات أحادية الأمين في التحكم السلوكي في فصائل مختلفة من الكائنات مثل بعض أنواع الديدان والفئران، مما يدل على أهمية هذا النظام لبقاء وتكيف الكائنات المختلفة. 

وللربط بين هذه الناقلات العصبية والمشاعر الإنسانية وسلوك الإنسان قام لوڤهايم -الباحث في مجال طب المجتمع، جامعة  يوميو في السويد- بعمل نموذج ثلاثي الأبعاد يمثل العلاقة بين الناقلات العصبية أحادية الأمين والمشاعر الإنسانية الثمانية الاساسية.

مكعب لوڤهايم نموذج ثلاثي الأبعاد يوضح العلاقة بين المشاعر الأساسية الثمانية ممثلة في الأركان، والناقلات العصبية أحادية الأمين ممثلة في المحاور الثلاث. 

تمثل أركان مكعب لوڤهايم المشاعر الإنسانية الثمانية، بينما تمثل المحاور الرئيسية الثلاث الناقلات العصبية؛ حيث يمثل المحور س السيراتونين، يمثل المحور ص الدوبامين، ويمثل المحور ع النورادرينالين.

الهدف من مكعب لوڤهايم. 

يهدف مكعب لوڤهايم إلى فهم التكامل بين الناقلات العصبية الثلاث ومشاعر الإنسان المختلفة، كما يهدف إلى اكتشاف دور التركيزات المختلفة للناقلات العصبية في خلق حالة مزاجية معينة.

جدول يوضح معدلات زيادة ونقصان الناقلات العصبية أحادية الأمين في الحالات الشعورية المختلفة تبعا لمكعب لوڤهايم

شرح المكعب:

الضيق /الخجل.

يشترك كل من شعوري الضيق والخجل وفقاً لمكعب لوڤهايم في إنخفاض نسبة السيراتونين؛ فيكون الإنسان في حالة من الكآبة؛ ولذلك فإن الأدوية المضادة للإكتئاب هي أدوية تعمل على زيادة نسبة السيراتونين.

نوبات الهلع (panic attacks) :

والتي تعتبر إحدى صور مشاعر الضيق، يحدث بها انخفاض في نسبة الدوبامين.

ثبت أن مرضى الشلل الرعاش (Parkinson disease) -مرض عصبي ينتج عن نقص في الدوبامين- يعانون دائما من الشعور بالضيق.

يختلف شعوري الضيق والخجل في نسبة النورادرينالين؛ حيث يقل النورادرينالين في حالة الخوف، بينما يزداد النورادرينالين في حالة الضيق.

 يتم علاج زيادة نسبة النورأدرينالين عن طريق حاصرات مستقبلات البيتا (Noradrenergic Beta-blockers) حيث تقوم بمنع ارتباط النور أدرينالين بالمستقبلات الخاصة به وذلك للحد من تأثيره.

الخوف/الغضب.

يشتركان في زيادة نسبة الدوبامين، مما يؤدي إلى ظهور تعبيرات الغضب كاحمرار الوجه وضيق العينين.

وجد أنا المصابين بمرض الشلل الرعاش (Parkinson disease) يعانون من جمود في تعابير الوجه أثناء الغضب، وذلك لإنخفاض نسبة الدوبامين لديهم.

تنخفض نسبة السيراتونين في حالتي الغضب والخوف.

يختلف الخوف عن الغضب في نسبة النورادرينالين، ففي الخوف تنخفض مما يؤدي إظهور علامات الخوف مثل:

• شحوب الوجه

• انتصاب شعر الرأس

• اتساع حدقة العين

بينما يحدث العكس في حالة الغضب، حيث يحمر الوجه وتضيق العينين وذلك لزيادة نسبة النورادرينالين.

الإهتمام/الفرح.

يشترك كلاهما في ارتفاع نسبة السيراتونين والدوبامين.

بينما يختلفان في نسبة النورادرينالين:-

ترتفع نسبة النورادرينالين في حالة الإهتمام أوالحماسة؛بينا تنخفض في حالة الفرح أو السعادة.

الدهشة:

ترتفع نسبة السيراتونين والنورادرينالين وهو المسؤول عن ظهور علامات الدهشة كارتفاع الحاجبين مثلا، بينما تنخفض نسبة الدوبامين.  

الإزدراء أو الإحتقار.

ترتفع نسبة السيراتونين وتنخفض نسبة الدوبامين.

تنخفض أيضا نسبة النورادرينالين في شعور الإحتقار مما يؤدي إلى ظهور بعض تعابير الوجه مثل ارتفاع الشفاه العليا؛ وهو تعبير معروف في حالات الإزدراء. 

أهمية مكعب لوڤهايم.

يساعد مكعب لوڤهايم في تشخيص الامراض النفسية الناتجة عن اضطراب إفراز الناقلات العصبية أحادية الأمين كما يساهم في إيجاد العلاج المناسب، فمثلا في حالة الوسواس القهري، والذي يرتبط عادة بالشعور المتزايد بالقلق؛ ينخفض مستوى السيراتونين وينتج عن ذلك شعور المريض بالضيق والغضب والكآبة.

تساهم بعض الأدوية في علاج الوسواس القهري (obssesive-compulsive disorder)، عن طريق منع إعادة امتصاص السيراتونين من قبل الخلايا العصبية؛ مما يؤدي إلى بقائه حرا لمدة أكبر لإرسال المزيد من الرسائل العصبية، تعرف هذه الأدوية بمثبطات اعادة تخزين السيراتونين الإنتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors SSRIs)، يمكن استخدام هذه الأدوية في علاج بعض حالات الإكتئاب أيضا.

يعد الذهان أو الفصام (psychosis) من أمراض اضطراب الشخصية والذي ينتج عن زيادة نسبة الدوبامين في المخ، لذلك يعاني مريض الذهان من حدة في الإنفعالات كما في حالة الغضب.

وعلى ذلك نلاحظ أهمية مكعب لوڤهايم في فهم كثير من الاضطرابات الشخصية، ومن ثم إيجاد عقاقير مناسبة للعلاج، أو للتقليل من حدة الأعراض الشعورية المصاحبة لهذا الإضطراب.

المصادر:

• https://www.sciencedirect.com/topics/computer-science/discrete-emotion?fbclid=IwAR3zjvOgtJLovA7Aq9GaJx9b7x5gxSpprtkFjtx4RdDLJX_5q416KBQBM20
  
• https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0306987711005883?fbclid=IwAR1It44tuRSIVKrgKCTPypp1oo_WyDfV4Yn6W2OxsQDBnl8myYSzjXfXTD8
  
• https://www.youtube.com/watch?v=Xkl_x6wC0Lg
  
• https://www.youtube.com/watch?v=Wa8_nLwQIpg
  
• https://www.youtube.com/watch?v=m8kthApqQys