شغف العلم الذي لا ينتهي

ما لا تعرفه عن عدد أفوجادرو

عدد أفوجادرو

إعداد / رضا حمدى جلال محمد 

مراجعة وتدقيق : دكتور / محمد أمين البهنساوى

عدد افوجادرو أحد الثوابت المستخدمة في علم الكيمياء والفيزياء

قدّم العالم الايطالى اميديو أفوجادرو في عام 1811م للعالم فرضيّة مشهورة تحت اسم قانون أفوجادرو، والذي نّص على: "أن الحجوم المتساويّة من جميع الغازات في نفس درجة الحرارة والضغط تكون محتوية أيضاً على العدد نفسه من الجزيئات مهما كان نوع الغاز، والعدد ذاته من الجزيئات أيضاً بما يتعلق بالضغط والحرارة". 

ويشار إلى أن هذا القانون قد ساعده على الوصول إلى الفرضيّة المتعلقة بعناصر الهيدروجين والنتروجين والأكسجين المنتشرة في الطبيعة المحيطة، ويكون لها شكل جزيئات ثنائيّة الذرّة (H2 ,N2, O2)، كما قدّم أيضاً اقتراحاً يشير إلى أن الجزيء يتكوّن من أنواع متفاوتة فيما بينها من الذرات، بالإضافة إلى إمكانيّة تكوّنه من ذرتين من النوع نفسه. 

 ما هو عدد افوجادرو ؟

عدد أفوجادرو المعروف أيضا باسم قانون أفوجادرو أو ثابت أفوجادرو هو عدد الذرات  في وزن واحد جرام ذري (واحد مول) لعنصر. أو عدد الجزيئات في الوزن الجزيئي غرام (واحد مول) من مركب وهو يساوي 6.02214076×1023 أَي 602,000,000,000,000,000,000,000 (602 أَلف مليار مليار جُسَيم)

ووحدة القياس هي 1-MOL وفقا للنظام الدولي للوحدات (SI) وفي بعض الأحيان يرمز له ب NA أو L

عدد أفوجادرو يُطلق عليه أيضاً اسم ثابت أفوجادرو، هو أحد الثوابت المستخدمة في علم الكيمياء والفيزياء، وسمّى بهذا الاسم نسبةً للعالم الذي أوجده. 
ويمثّل عدد أفوجادرو عدد ذرّات الكربون 12 في 12 غرام من الكربون 12، والذي يعادل العدد 6.022×1023 تقريباً. 


وتمّ اختيار عنصر الكربون 12 لحساب العدد لأنّه يمكن قياس كتلته بشكلٍ دقيق، حيث إنّ وزن المول الواحد من عنصر الكربون 12 المُقاس باستخدام مقياس الكلتة الموليّة الافتراضي هو 12.000 وقد تمّ الحصول على هذا العدد عن طريق تقسيم كتلة الذّرة الحقيقيّة على واحدة قياسيّة للكتل الذريّة.

 تمّ ابتكار عدد أفوجادرو لأنّ عمليّة التعامل مع الذرّات صغيرة الحجم عمليةً صعبةً جداً ومن الممكن أن تكون مستحيلة، فالذّرات لا ترى بالعين المجردّة أو المجاهر العلميّة، لذلك يُصعب دراستها باستخدام المقاييس العاديّة، لذلك تمّ التفكير في التعامل مع عدد معين من الذرات الخاصّة بعنصر محدد لتسهيل حساب كميّات الذرّات.

علاقة المول بعدد أفوجادرو 

إنّ المول هو وحدة لقياس كميّة المادّة في علم الكيمياء، وتعتبر وحدة أساسية حسب النظام العالمي للوحدات، وهي واحدة من الوحدات المستخدمة لقياس كميّة فيزيائيّة، ويعرف المول أيضاً بأنّه الكتلة الذريّة أو الجزيئيّة للمادّة ويمكن التعبير عنه بالغرام، كما يعبّر عن كميّة المادّة التي تحتوي على نفس عدد الجسميات الموجودة في جرام واحد من عنصر الكربون، وفي حالة ذكر المول يجب التفريق ما إذا 

كان نوع جسميات المادّة ذرّات، أو جزيئات، فإذا كانت ذرّات نقوم بحسابها باستخدام العدد الذرّي، وإذا كانت جزيئات نحسب المول باستخدام الوزن الجزيئي. هناك علاقة وثيقة بين المول وعدد أفوجادرو، حيث إنّ عدد الذّرات أو الجزيئات التي توجد في 1 مول من المادّة يساوي عدد أفوجادرو.

 فعلى سبيل المثال إنّ 1 مول من عنصر الألمونيوم فيه عدد ذرّات كما في 1 مول من عنصر الكربون، وتمّ تحديد عنصر الكربون لأنّه العنصر المعتمد في تحديد عدد أفوجادرو.

 يمكن حساب كميّة المادّة رياضياً باستخدام الخطوات التالية: 
  • حساب عدد المولات وهو يساوي مقدار الكتلة مقسوماً على الكتلة المولية. 
  • حساب كميّة المادّة وهي تساوي عدد المولات مقسوماً على عدد الجزيئات.

حِسابُ عَدَدِ أَفوجادرو

الآنَ يُطرح السُّؤال: كيف توصَّلُوا إِلى أَنَّ هذا هو بالذَّات رقم الجُسَيمات الموجود في 12 جرامَ كربون 12؟ كيف يمكِنُ عَدُّ عَدَدٍ كبيرٍ لهذه الدَّرَجة؟ 

بالطَّبع لا يجلسُ الحاسبون ليعدُّوا الذرَّات، إِنَّما يُجرون حسابًا يكشف ما هو العدد بشكلٍ غير مباشر ويتمُّ ذلك بواسطة قسمة عَدَدَيْنِ، أَحدهما هو صفة لكمِّيَّة مادّة كبيرة (صفة جسمٍ كبير كالحجم، والطُّول، والشّحنة، وما شابه ذلك)، والثّاني هو الصِّفة نفسُها كما قيست لجُسَيمٍ وحيد- صفة شيء صغير. النِّسبة بين القِيمَتَيْنِ هي ببساطة عَدَدُ الجُسَيمات

على مرّ التّاريخ، حاول كبار العُلَماء مرَّاتٍ كثيرةً، وبوسائِلَ مختلِفَة حِسابَ الرَّقم. وفيما يلي بعض الوسائل البارزة الّتي استُعمِلَت خلال تاريخ العلم:

قِياسُ بواسِطَةِ حَجمِ الغَاز

أَوَّلُ مَن أَدلى بِدَلْوِهِ، كان العالِم النَّمساويّ جوزيف لوشميدت وذلك في عام 1865، وذلك قبل أَن يحصُلَ عدد أَفوجادرو على اسمِهِ، أَو حتّى تمَّ تعريفه.
 لم يحسب لوشميدت عدد أَفوجادرو بالضَّبط، إِنّما عدد جُزَيئات الغاز الموجودة داخل كلّ مكعّب حجمُهُ متر مكعَّب واحد وقد قال: لأَنَّ حجم الغاز هو عمليًّا حاصل جمع كلّ الأَجسام الّتي تشغلها جُزَيئات الغاز، ففي اللّحظة الّتي نعرف الحجم الّذي يشغله كلّ جزيء، يمكِنُنا عندها معرفة عدد الجزيئات الشَّامل.

"يشغَلُ الجزيء في الغاز حجمَهُ هُوَ، بالإِضافة إِلى المعدَّل الّذي يجب أَن يسلكه حتّى يصطدم بجزيءٍ آخر". المشكلة في هذه الوسيلة هي أَنَّهُ مِن أَجل معرفة الحجم الّذي يشغله كلّ جزيء، يجِبُ معرفة ما هو الحجم الّذي يشغَلُهُ غازٌ يَتِمُّ تحويلُهُ إِلى سائل (لأَنَّهُ في السَّوائل لا يوجد بُعد بين الجزيئات تقريبًا)، وما هو قُطر الجزيء الواحد (لأَنَّ لوشميدت أَظهر أَنَّهُ توجد علاقة بين قُطر الجزيئات، وبين معدَّل البُعد بينها.

وَلِسُوءِ حظّ لوشميدت، فإِنَّهُ لم يعرف هاتَيْنِ القِيمَتَيْنِ: تحويل الهواء إِلى سائِلٍ، فقد أَوجدوها بعد 12 سنة فيما بعد فقط، ولم يتمكَّنُوا من قياس قُطر الجزيء حتّى الآن. وبدلاً من ذلك، فقد خمَّنَ ببساطةٍ هذه القِيَم... وَأَخطَأَ: فقد كانَتِ القيمة الّتي حصل عليها أَقلّ بِعَشرِ مرّاتٍ مِنَ الرّقم الحقيقيّ. لكن تخليدًا لذكراه، فحتّى اليوم هنالك ثابت لوشميدت: عَدَدُ الجُسَيمات في متر مكعّب مِنَ الغاز في درجة حرارة صفر مئويّ، مُساوٍ لِـ-2.68×1025جُسيم.

 القياس بواسطة بقعة زيت

الفيزيائيّ جون رايلي، المعروف بِفَضلِ مساهمته في بحث توزيع الضَّوء وهو الّذي شرح لماذا السَّماء زرقاء، واجَهَ في نهاية القرن الـ19 المشكلة بشكلٍ آخر والحلّ لديه كان أَنيقًا وببساطة لم يتطلَّبْ تخميناتٍ: فقد فهم أَنَّهُ بالإِمكان حساب حجم الجزيئات وعددها، بمساعدة بقعة زيت عائم على الماء.

إِحدى تجاربه الأَوَّليَّة الّتي أَجريتُها عندما درست للَّقب الأَوّل في الكيمياء، كانت هذه التّجربةَ الأَنيقَةَ والجميلة، والّتي يُحسَب فيها عَدَدُ أَفوجادرو من خلال قياس مِساحة انتشار الزَّيت على الماء.
 المنطِقُ كالتّالي: نقطر في زبديّة مليئة بالماء قطرةً مِنَ الزَّيت الخفيف (حامض دهنيّ، عمليًّا). ينتشِرُ الزّيت ويكوِّن بقعةَ زيتٍ على الماء وفي مرحلة معيّنة، تتوقَّف البقعة عَنِ التَّمدُّد. لدرجة أَنَّهُ لو نفخنا عليها فإِنّها لن تعود للتَّمدُّد، إِنّما تتكوَّن فيها ثقوبٌ على الأَكثر.

وقد فهم ريلي أَنَّهُ في هذه الحالة يُرجَّحُ الافتراض أَنَّهُ قد تكوَّنت طبقةٌ واحِدَةٌ ووحيدة مِنَ الجزيئات العائمة على الماء، وهكذا تَكُونُ قد نَفَدَت كلّ إِمكانيّات تمدُّدِ الزَّيت. ويقيسون الآنَ مِساحةَ بقعة الزَّيت، ومن هذا العدد فقط، يمكِنُ تقديرُ عدد أَفوجادرو بِدِقَّةٍ متناهية، من خلال عدّة حسابات رياضيّة بسيطة جِدًّاولأَنَّ حجم قطرة الزّيت بَقِيَ ثابتًا خلال التّجربة، فالقطرة غيَّرت شكلها فقط من كُرةٍ إلى بُقعة مسطَّحَةٍ، ولأَنَّ حجم إِسطوانة أَو منشور، هو حاصل ضرب مِساحتها في ارتفاعها، ولذلك فإِذا قسَّمنا حجمَ الزَّيت الّذي سكبناه على مِساحة بقعة الزَّيت الّذي حصلنا عليها نحصُلُ على ارتفاع البُقعة. 

النّتيجة الّتي نحصل عليها تُساوي نانو- متر واحِدًا تقريبًا (جزءٌ مِنَ المليار مِنَ المتر)، وهذا حقيقةً متوسّط كِبَر جزيء الزَّيت.

يمكِنُ حسب المعلوماتِ الكيميائيّة تقدير أَنَّ جزيئات الحامض الدُّهنيّ، وهي جزيئات شكلُها كسلسلة طويلة، تعوم على الماء عموديًّا، لأَنّه يوجد لها "رأس" هيدروفيليّ (يرتبِطُ بالماء) و"ذنب" هيدروفوبيّ (يبتعدُ عَنِ الماء)، كما في الصَّابون. أَي أَنَّ ارتفاع بقعة الزَّيت هو عمليًّا طول جزيء الزّيت وحسب طول الجزيء يمكِنُ تقدير مساحته: 

على سبيل المثال، إِذا كان الجزيء مُكَوَّنًا من عَشرِ ذرّات مُتّصلة بِسِلسِلَةٍ، فَيُمكِنُ معرفة أَنَّ قُطره هو عُشر طُولِهِ، ويمكِنُ حساب المساحة حسب القُطر.

وأَخيرًا، المساحة الكُلِّيَّة لبقعة الزّيت، هي تقسيم مساحة جزيءٍ وحيد، يُعطينا عَدَدَ الجُزيئات. وإِذا كنتُ أَذكُرُ جيِّدًا، عندما قُمتُ بإِجراء التّجربة بنفسي توصَّلتُ لنتيجةٍ تساوي 1022 تقريبًا بالنِّسبة لعدد أَفوجادرو، أَيِ العدد الدَّقيق تقريبًا، في تجربةٍ بسيطة لم تتطلَّب أَيَّة معدّاتٍ خاصّة.

قياس بواسطة حركة ميكرسكوبية

وبعد عدّة سنوات، وفي بداية القرن الـ20، وَضَعَ الفيزيائيّ الفرنسيّ جان بطيست فيران بصمَتَهُ على المصطلح "عدد أَفوجادرو"، لتحديدِ عَدَدِ الجُسَيمات في مُولٍ مِنَ المادّة وقد أَعطى هذا الاسم للعَدَدِ تخليدًا للكيميائيّ الإِيطاليّ أَمادو أَفوجادرو. 
وحَسَبَ فيران أَيضًا العَدَدَ بطرقَ ترتكز على حركة براونيّة (حركة أَجسام ميكروسكوبيّة تسبِّبُهَا حركة جزيئات سائل) باختصارٍ شديد، تمَّ حساب الرّقم بواسطة تقدير كمِّيَّة الجزيئات الّتي يجِبُ أَن تتواجَدَ كي تسبِّبَ حركةً لجسم ميكروسكوبيّ من خلال الاصطدام بِهِومنذُ ذلك الحين، حاول علماءُ كثيرون تحديدَ عَدَدَ أَفوجادرو بطرائِقَ متطوِّرة إِضافيّة.

قِياسٌ بواسِطَةِ الإِلكتروليزا والكهرباء

تمّ الحصول أَخيرًا على العدد الدَّقيق بمساعدة مجالٍ علميّ آخر كُلِّيًّا- هو بحثُ الكهرباء. 
و اكتشفَ العالِمُ البريطاني مايكل فارادي في العام 1834 قوانينَ الإِلكتروليزا (تحليل موادّ بواسطة التَّيَّار الكهربائيّ). 

وَقَدِ اكتشفَ من جملةِ ما اكتشفَ، "ثابت فارادي"- الشّحنة الكهربائيّة لمول الإِلكترونات، والمساوية لِـ96,485 كولونًا (اِكتشف فارادي أَنَّه في كلّ مرّة تجري فيه شحنة كهربائيّة خلال الإِلكتروليزا، تتكوَّنُ مادّة على الإِلكترودات حسب وزنها الذَّرِّيّ بشكلٍ دقيق، أَو بكُسورِهِ الكاملة). 
ومن أَجل حسابِ عَدَدِ أَفوجادرو كان يتوجَّبُ معرفة شحنة إِلكترون وحيد، وعندها تُقسم شحنة مول إِلكترونات (ثابت فارادي) على شحنة إِلكترون وحيد، ومعرفة كم يساوي "المول" بشكلٍ دقيق. 

وَقَد وَصَلَتِ الإِجابة بعد 75 عامًا بعد فارادي. ففي سنة 1909 نجح الفيزيائيّ روبرت ميلكين في قياس الشّحنة الكهربائيّة لإِلكترونٍ وحيد، والمساوية لـ1.6022×1019  كولوم (بالمناسبة، قام هُوَ الآخر بإجراء تجربة بسيطة بقطراتِ زيتٍ وقد فاز بجائزة نوبل على اكتشافه)، وفعلًا فَقِسمَةُ العَدَدَيْنِ على بعضهما البعض، تُعطي عَدَدَ أَفوجادرو بالضَّبط 6.02214076×1023 .


المصادر:-


ليست هناك تعليقات