شغف العلم الذي لا ينتهي

بروفيسور دكتور مادي البحري يكتب حول بناء الشخصية العلمية

 بناء الشخصية العلمية

بقلم
بروفيسور مادي البحري

الأستاذ الدكتور مادي البحري يكتب حول  بناء الشخصية العلمية
Professor Mady Elbahri

نشهد حاليا تطورا كبيرا ملحوظا في التكنولوجيا والإكتشافات السريعة مما أدي الي توافر أدوية لأمراض لم يكن لها علاج سابقا , ووسائل النقل الحديثة كالطائرات و القطارات فائقة السرعة , الإنترنت وسهولة التواصل والهواتف المحمولة , كل هذه الأمثلة نتاج المجهود البحثي المستمر للعلماء الحقيقيين الذين ربما يصعب عليك معرفتهم , فلو سألتك على سبيل المثال من مخترع القطار السريع ومطوره بنسبة كبيرة جدا سيصعب عليك الإجابة ,لأن عادة العالم الحقيقي لا يهمه أن يكون في دائرة تسليط الضوء , هذه الفئة من البشر دائمة المحاولة والسعي لجعل كل وقتها ومجهودها في سبيل أبحاثهم ومعاملهم وطلابهم , ودائما ما يكون هدف هذه الفئة من العلماء ( العلماء الحقيقيين ) هدف ليس شخصي إنما لنفع البشرية , دون النظر لتصنيف البشرية من حيث الدين أو العرق أو اللون وهنا يحقق المعادلة الربانية المثلى لإعمار الأرض .
إذا نظرنا للتطور العلمي في أي مجال سنجده نتاج عن عملية متكاملة من الجهود المتتابعة , فالعالم يسلم الراية لمن يخلفه ويتم البناء على أعماله , أو حضارة تسلم حضارة , وهكذا 
فمثلا علم النانو الذي طوره القدماء المصريون ثم بعدها علماء المسلمين ثم بعدها انتقل لأوروبا حتى أصبحنا نرى نتائج علم النانو في الحياة حولنا . هذا المسار يحدث في أي علم لذلك العلم لا تستطيع أن تقصر تطوره نسبه لدين أو وطن أو مكان !!
في الوقت الحديث ليس خفيا أن أوروبا هي صاحبة العلم الحديث وهي جاذبة أنظار المجتمع العلمي ذلك لأن البوصلة العلمية متوجهة ناحية بلاد أوروبا حاليا 
ربما نلتمس هذا أيضا من ارتفاع مستوى الرفاهية في هذه البلاد وهذه نتيجة تكاد تكون حتمية أشار لها القرآن بقوله تعالى ( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) فإذا سعيت للعلم سيكون المقابل رفعة الشأن لهذا ارتفع شأن هذه الأمم لأنهم سلكوا طريق العلم ووجهوا جهودهم المادية والبشرية لهذا الاتجاه. 
علينا أن نعترف أننا مقصرين في هذا الجانب فطريق العلم أخذ بالأسباب ولا يعتمد على دينك او مكانك او جنسيتك!! 
خير مثال الصين، بغض النظر عن اختلافي معهم في بعض النقاط الا أن المجهود البحثي المبذول هناك عظيم جدا 
والصين خير مثال للآية التي ذكرتها. 
الآية أيضاً تخص الذين أوتوا العلم وليس الذين أوتوا الشهادات , فالعلم ليس شهادتك سواء كانت بكالوريوس ماجستير او حتي الدكتوراه ليس هذا هو العلم. 
فالعلماء الحقيقيين هناك قطاع كبير منهم كان متعثر بالمدارس التعليمية ومنهم من لم يتحصل أصلا على أي شهادات علمية. فلو نظرنا للعصر الإسلامي هل ذهب ابن حيان وابن سينا الى الجامعة مثلا وحصلوا على شهادة الماجستير والدكتوراه ؟!
لكنهم علماء حقيقيين استطاعوا أن يثروا بدايات مجالاتهم. مايكل فارداي على سبيل المثال اتم دراسة حتى سن الثالثة عشر ثم خرج من المدرسة واسم فارادي لأي باحث متخصص بالفيزياء أو في الكيمياء الكهربية معروف جدا وهذا مثال واضح أن العلم ليس له علاقة بشهادتك أو دراستك. هناك مقومات معينة يجب أن تتوافر لديك وأسلوب معين يجب أن تتبعه حتى تصبح مثل هذه الأسماء.
ومما اتذكره جيدا تكرار سماعي لجملة ( علماؤنا في الخارج ) حين كنت طالبا بجامعة القاهرة فكنت دائما أحلم أن أصير أنا أيضا أحد هذه الفئة من علماء الخارج وحين حدث بالفعل ووصلت لألمانيا .. صدمت!! 
صدمت لأنني لم أجد منهم الا القليل جدا جدا ، وكان هنا التساؤل هل حزموا أمتعتهم وحقائبهم وغادروا ؟ 
بعد عشرين عاما من الغربة بألمانيا من طالب لماجستير ومنها الي الدكتوراه وصولا لكوني بروفيسور بجامعة كيل في ألمانيا وأيضا جامع آلتو في فنلندا , ما لاحظته في الطلبة أن طلابنا لا ينقصهم العقلية بل نحن فقط لا نعرف طريق الوصول. ولا نعرف ما هي الأسباب حتى نأخذ بها. وهذا كان أحد المحاور الأساسية التي جعلتني أفكر كيف أستطيع أن اشارككم هذا المسار وأوضح لكم اهم نقاط هذا الطريق. 
أهم نقطة أريد أن اشير اليها في  هذه المقالة هي كيف أن نبني شخصية علمية علي أسس صحيحه لذلك كان لزاما علي أن أبدأ بشرح ماذا يعني مصطلح الشخصية العلمية وما معنى أن تصير عالما حقيقيا لذلك بداية يجب علينا أن نستطيع التفرقة بين معرفة وتعلم العلم حقيقة وادعاء العلم للتباهي والتفاخر بغير حق أو كما أقول عنه ( البالون الفارغ ) وهذا لا نريده 
ما يهمنا إذن أن نبني شخصية علمية قادرة على التعايش , قادرة على التفكير العلمي , وقادرة على أن تصبح ذات ثقافة علمية وأن تندمج مع المجتمع الذي تعيش به  وتثريه بعلمها وثقافتها واختلافها التاريخي والعقائدي
المحور الأساسي في طريق طلبك للعلم هو ما تريده أنت بالفعل اما ان يكون هدفك طلب العلم او مجرد البحث عن شهادة
وأستطيع القول أن الأغلبية العظمي يكون هدفها فقط الشهادة للحصول علي منفعة ما.
وبناءا علي ذلك اعلق علي ما بدأت به مقالي بأننا لا ننكر تواجد علماءنا بالخارج بالعكس فهم متواجدون وتأثيرهم كبير بالفعل لكنهم في الحقيقة هم قليلون بل قليلون جدا. 
لا يخفي علي جميع متابعيني الكرام ان مشاركتي لعالم الفيس بوك لم تحدث الا حديثا جدا منذ قرابة العام تزامنا مع بدء قناتنا نانو بالعربي علي منصة اليوتيوب ولكن خلال متابعتي لكثير من الصفحات العلمية وجدت مشكلة كبيرة وهي وجود عدد كبير جدا من العلماء ومنهم الكثيرين بمجال تخصصي العلمي والذي لا يوجد لهم وجود في عالمنا الحقيقي. وللأسف كثيرا من هؤلاء اعتمدوا علي الخداع والتباهي بدون وجه حق. 
من أسس البحث العلمي بالخارج المصداقية وعدم الخداع وهي أساس نجاحك بالخارج. لذلك إذا أردت النجاح الخارج يجب عليك أن تكون صادقا , صادق في كلامك , في مشاعرك , في مواعيدك. أما أن نتبع نظام التباهي الكاذب وادعاء المعرفة فأنا أراه كذبا للأسف. 
فكثير ممن يحمل الدكتوراه أو باحثين ما بعد الدكتوراه قد يصوروا لك كونهم علماء اجلاء وهذا غير صحيح تماما، ويجب عليك التفرقة بنفسك بين من هو العالم الحقيقي ومن يدعي كونه عالم بالتزييف. المسؤولية كبيرة جدا, أكبر من أن نخدع الناس, أكبر من أن نكبر في أنفسنا ونتباهى ونتفاخر بما ليس له وجود علي أرض الواقع . وتلخيصا لما سبق فأنني اري ان كثير من علماؤنا الوهميين يبحثون عن الشهرة ونظرات الإعجاب والتقدير لنجاحاتهم الشخصية والتي لا وجود لها في الحقيقة من خلال استغلال احتياجك له  والترويج لنفسه في صورة القدوة الوهمية وهذا غير صحيح. 
دعنا نكون صريحين , نحن على المستوى العلمي ليس كما يليق , وانا لا أقصد مستوى الأفراد , فمستوى الأفراد مدعاة للفخر , وانا أفتخر كثيرا بطلابي من مصر , وسوريا , وفلسطين , والأردن , وغيرها. لذلك ما يهمنا هو أن نسقي هذه النبتة الصغيرة حتى تنمو في بيئة صحيه , وأن نوضح لهؤلاء الطلبة المسار العلمي الصحيح 

لو نظرنا الى المخاطر التي تواجه مجتمعنا العربي في الوقت الراهن وليكن على سبيل المثال خطر استغلال العلم في غير موضعه للترويج الي الالحاد مما يفقد العلم حياديته , ويأسفني القول بأن بعض المروجين لهذه الأفكارهم في الأساس علماء قاموا بخلط آرائهم الشخصية مع علمهم. هذه الفئة من العلماء تريد إخراج الله من المعادلة العلمية ( وحاشا لله ) لذلك إذا أردنا أن نرد على أمثال هؤلاء فيجيب تحويل الجدال العلمي من مجرد كلام عابر لنقاش يمتاز بالندية العلمية ويستند علي اثباتات وبراهين علميه

المقال من حلقات بناء الشخصية العلمية على قناة نانو بالعربي 
لينك الحلقة : 
https://www.youtube.com/watch?v=VfEsVj5euKI

الأستاذ الدكتور مادي البحري يكتب حول  بناء الشخصية العلمية
بروفيسور دكتور : مادي البحري 
أستاذ كيمياء وهندسة النانو في كل من جامعتي ألتو الفنلندية وكيل الألمانية
وأستاذا زائرا بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا (مصر)


هناك تعليق واحد: