شغف العلم الذي لا ينتهي

القيود البيئية والاخلاقية لإنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول) من المخلفات الزراعية

القيود البيئية والاخلاقية لإنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول) من المخلفات الزراعية

القيود البيئية والاخلاقية لإنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية

اعداد / هالة عاطف عبد الرؤف 

مراجعة وتدقيق : دكتور / محمد أمين البهنساوى

تعرف طاقة الكتل الحيوية Biomass Energy بأنها الطاقة التي يمكن الحصول عليها من مصادر طبيعية كالمخلفات الزراعية وروث الحيوانات والطحالب، وأصبحت هذه الكتل الحيوية تمثل نحو 14% من إستهلاك الطاقة الأولية في العالم ومن المتوقع أن تصل إلى 50% بحلول عام 2050. 
يعد إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية ومن النباتات التي تعتمد في زراعتها علي المياه المالحة قضية في غاية الأهمية، خاصة مع تصاعد حدة مشاكل الطاقة التقليدية على المستوي العالمي، وقرب نضوب البترول والغاز الطبيعي في مصر وفي أماكن كثيرة من العالم.
ويمكن إستغلال الكتل الحيوية Biomass بجميع صورها لإنتاج وقود بيولوجى_حيوى Bio fuel كبديل للوقود الاحفوري Fossil Fuel الذي ينتج حالياََ من مشتقات النفط والغاز الطبيعى ولقد تم أخيراََ إنتاج نوع من الوقود الحيوي قابل للاستخدام، وقود على هيئة كحول ايثانول يتم استخلاصة من محاصيل زراعية مثل الذرة ومن السيليلوز والبطاطس ومن قصب السكر وغيرها ويعرف بوقود البيوايثانول أو وقود الإيثانول الحيوى Bio-ethanol fuel ويمكن أن يحل محل البنزين مباشرة فى المركبات بعد اجراء تعديل على محركاتها
الإيثانول هو مركب قديم بدأ استخدامه كعنصر فى تحضير الأدوية والمشروبات ثم أًستخدم لإضاءة المصابيح، بعد اختراع السيارات تم إقتراح استخدام الإيثانول كمصدر بديل للوقود. 
كل بلد ينتج الإيثانول يعتمد على مادة خام متوفرة لديه، فمثلا الولايات المتحدة تعتمد على الذرة (النشا) لإنتاجه والسويد على الخشب ويعد قصب السكر هو المادة الخام لإنتاجه فى البرازيل.
لقد ظهرت صناعة الإيثانول البرازيلي كنتيجة طبيعية لإنتاج السكر، وقد كانت أول محاولة لاستخدام الإيثانول كوقود فى البرازيل فى العشرينيات، وفي عام 1925 تم قيادة أول سيارة تعمل بالايثانول.
وكان الرئيس البرازيلي لولا دى سيلفا مناصراََ عظيماََ لاستخدام الإيثانول كوقود حيوي وفي خلال الفترة التى قضاها في منصبه شجع على المزج بين الإيثانول والبنزين، وفي عام 1979 كان عدد كبير من المركبات يعمل على الإيثانول اللامائي(يقصد بها أستخدام الإيثانول كوقود نقي)، كما أن البنزين الذى يغذى السيارات الأخرى يحتوى على 25 % من الايثانول المائي(الذى يتم مزجه مع البنزين). 
لكن على الجانب الأخر الطلب المتزايد على الإيثانول أدى إلى زيادة حادة فى زراعة قصب السكر والذرة وبالتالي إلى زراعة محصول واحد على مساحات شاسعة من الأراضي، ففي البرازيل على سبيل المثال 80% من الانبعاثات الحرارية لا تأتي من السيارات ولكن من إزالة الغابات هذا يعنى إطلاق المزيد من ثانى أكسيد الكربون إلى الجو، وهناك أيضاََ قضية الوقود مقابل الغذاء، فى المكسيك مثلاََ الذرة جزء رئيسي من النظام الغذائى اليومي بزيادة الطلب على الإيثانول فى الولايات المتحدة أدى إلى ارتفاع هائل جد فى الأسعار فى المكسيك لدرجة أنها تواجه أزمة فى الغذاء، لذلك استدعت الحاجة إلى التفكير فى استخدام المواد اللجنينية السليلوزية مثل النفايات الزراعية كمواد خام لإنتاج الإيثانول الحيوى فهي فعالة من حيث التكفلة وأنها متجددة ووفيرة.
فى دراسة تمت لإنتاج الايثانول من ثلاث كتل حيوية (lignin cellulosic) وهم قش الأرز وقش القمح والباغاس أو تفل القصب (وهى مخلفات ليفية من قصب السكر) باستخدام كائنات دقيقة مثل Sacchromyces Cerevisae (وهو أحد فطريات الخميرة وحيدة الخلية).
تمت خطوات التجربة كالآتى:
1- المعالجة الفيزيائية للكتلة الحيوية عن طريق طحنها وتحويلها إلى مسحوق وذلك لزيادة مساحة السطح المعرض لعمليات التحلل الإنزيمي.
2- مرحلة المعالجة الكيميائية وهي ضرورية لتعيد بناء هيكل الكتلة الحيوية وتجعله أقل تعقيداََ لتعطي قدرة أنزيمية أعلى لتحويل السليلوز إلى جلوكوز. 
  • يتم غمر عينات (قش الرز وقش القمح وتفل القصب) المطحونة فى محلول (فوق أكسيد الهيدروجين 3% وهيدروكسيد الصوديوم 2%) بنسبة (10:1) لمدة ساعتين فى درجة حرارة الغرفة.
  • بعد ذلك يتم تبخير العينات عند 130 درجة مئوية لمدة 60 دقيقة. 
  • بعد التبخير يتم ترشيح العينات وغسل المخلفات الصلبة.
  • ثم مرحلة التحلل الأنزيمى باستخدام الأنزيمات الصناعية مثل ( cellulase) لتحويل السليلوز إلى سكر الجلوكوز. 
  • تتم عملية التخمير لانتاج الإيثانول من الجلوكوز الناتج مسبقا باستخدام Sacchromyces cerevisiae ،فى قارورة 500 مل تحتوى على الوسط المناسب لعملية التخمر والمحضر مسبقا وتُحضن فى ظروف لاهوائية لمدة ثلاية أيام.
3- عن طريقة استخدام تقنية FTIR (وهى تقنية تُستخدم للحصول على طيف بالأشعة تحت الحمراء لامتصاص أو انبعاث مادة صلبة أو سائلة أو غازية) تم رصد التغيرات البنائية فى هيكل الكتلة الحيوية بعد عملية المعالجة وصولاََ إلى انتاج السليلوز. 
وقد أظهرت النتائج أن تفل قصب السكر كان أكثر أنتاجية للإيثانول من قش الرز وقش القمح.
ففي دراسة تمت سنة 2018 وتم نشرها بمجلة الطاقة المتجدده والمستدامة (Renewable and Sustainable Energy Review) فإن مصر تنتج سنويا كمية كبيره من الكتل الحيوية Biomass تصل الى 40 مليون طن، وبدلاََ من استخدامها واستغلالها على النحو الامثل للمساهمة فى تحسين الانتاج لقطاع الطاقة والنمو الاقتصادى يتم التخلص من نحو 52 فى المائة منها عن طريق الحرق المباشر فى الحقول مما يتسبب فى كثير من المشكلات البيئية لذا انتبهه وزارة البيئة ووضعت قوانين صارمة على من يقوم بحرق قش الارز وتتجه نحو استخدامها كوقود حيوى، ولذلك شدد الخبراء على ضرورة أن تسعى مصر وبقوة الى دخول ميدان إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية التي تمتلكها، فضلاَََ عن ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال من أجل توفير الطاقة للأجيال القادمة من ناحية وتحقيق أقصى إستفادة ممكنة من المخلفات الزراعية المتجددة من ناحية اخري. 
مصر يجب أن تتجه بقوة وبشكل علمي مدروس إلى إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية من النباتات التي يمكن التوسع في زراعتها في تربة تعتمد على المياه المالحة، مثال الهند والبرازيل وجنوب افريقيا توسعت بشكل ملحوظ في إنتاج الطاقة من المخلفات الزراعية، كما أن الصين أنشأت مصنعاََ كبيرا لإنتاج الايثانول الحيوي من مخلفات محصول الذرة.
لذا فهناك أهمية كبيرة أن تدخل مصر وبقوة في مجال انتاج الطاقة من المخلفات الزراعية، لأنها لا تمتلك ثروات بترولية كبيرة.. بل علي العكس فإن مصادر الطاقة التقليدية التي لديها حاليا قابلة للنضوب ولا تكفيها إلا لسنوات قليلة مقبلة، ومن هنا يجب على مصر أن تحذو حذو الصين وتتوسع في إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية.. وتنشئ مصنعاََ ضخماََ لإنتاج الايثانول الحيوي من مخلفات الذرة التي تمتلك مصر منها ملايين الأطنان !!
أهم مميزات الوقود الحيوي تتمثل في كونه وقوداََ بيئياََ:
 - بحلول عام 2050 يمكن للوقود الحيوي أن يختزل انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 1.7 مليار طن في العام أي ما يعادل أكثر من 80 في المائة من الانبعاثات الحالية الناجمة عن وسائل النقل. 
تعمل دورة إنتاج واستخدام هذا الوقود في المُجمل على اختزال ما يقارب 80% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتقريباً 100% من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، كما يؤدّي أيضاً لاختزالاتٍ مهمة في نسبة انبعاث غاز أول أكسيد الكربون السام بالمُقارنة مع ما يُنتجه البترول المُستخدم، وأيضاً تصل نسبة تقليله لمخاطر الإصابة بالسرطان بالنسبة لأنواع الوقود الأخرى لـ90%.
 - يحتوي الديزل الحيوي على نسبة 11% من الأكسجين، ولا يحوي أي نسبة من الكبريت.
 - يمكن أن يؤدّي استخدامه إلى إطالة عمر محركات الديزل، حيث إنه يحوي نسبة تشحيم أكثر مما يحويه البترول.
  - يُعد الديزل الحيوي آمناً من جهة التحكّم به ونقله، إذ أن التحلُّل البيولوجي له مشابه للسكر، كما أن درجة سُمّيته تُعتبر أقل بـ10 مرات من ملح الطعام.
 - أُثبِت نجاح هذه التقنيّة بالتجربة، حيث تمّ استخدامه لتسيير مركباتٍ لـ30 مليون ميل في الولايات المتّحدة الأميركيّة وحدها.
- لا يُنتج احتراقه روائح كريهة كالتي تنتج عن حرق الوقود الأحفوري، وهو بذلك يقضي على شكلٍ من أشكال التلّوث.

قيود بيئية وأخلاقية
إن استغلال الأراضي لزراعة محاصيل الطاقة وتحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية المخصصة للاستهلاك البشري أو الحيواني إلى حقول لإنتاج الوقود الحيوي، يتسبب في خلل في التنوع الزراعي العالمي، واجتثاث كثير من الغابات والمحميات الطبيعية، وزيادة في معدلات انجراف التربة، واستهلاك كميات هائلة من المياه العذبة، وتقدر بعض الدراسات أن إنتاج لتر واحد من الوقود الحيوي يحتاج إلى 5000 لتر ماء، وأن إنتاج 13 لتراً من الإيثانول يحتاج مثلاً إلى 231 كيلوغراماً من الذرة.
ويتسبب الوقود الحيوي في ارتفاع مستوى تلوث المياه والهواء الناجم عن الكميات الكبيرة من المبيدات الزراعية والأسمدة التي تتطلبها زراعة محاصيل الطاقة، كما سيؤثِر على جودة التربة وينهكها. 
وتعتبر القيود الأخلاقية أهم القيود في ضوء إعلان بعض الدول النامية غير المنخرطة في إنتاج الوقود إدانتها في محافل دولية لإنتاجها من المنتجات الزراعية، لما يتضمنه من تحويل غذاء الإنسان إلى غذاء للآلة في الوقت الذي تعاني فيه الكثير من الدول أزمات غذائية وصلت إلى حد المجاعات.

المصادر:

هناك تعليق واحد: