شغف العلم الذي لا ينتهي

المايكروبايوتا الميكروبات التي اتخذت من أجسامنا منازل

الميكروبات التي اتخذت من أجسامنا منازل

المايكروبايوتا الميكروبات التي اتخذت من أجسامنا منازل

بقلم : ابتسام محمد دياب
مراجعة :وسام سعيد

الميكروبات هي كائنات حية صغيرة الحجم لا ترى بالعين المجردة مثل البكتيريا، الفيروسات، الفطريات، والكائنات الأولية. تنتشر الميكروبات على نطاق واسع من البيئات المختلفة في مختلف أنحاء العالم، فهي توجد في التربة، الماء، الهواء، وجسم الإنسان والحيوان. 

تعرف مجموعة الميكروبات التي توجد في جسم الإنسان طبيعيا من الداخل والخارج بالميكروبيوم البشري وتختلف انواع الميكروبات من مكان لآخر في جسم الإنسان كما انها تختلف من شخص لآخر باختلاف البيئة التي يعيش بها  وتعيش الميكروبات مع الإنسان في علاقة تكافلية حيث تساعده في عملياته الحيوية وفي في الدفاع عن نفسه ضد الكائنات الممرضة دون ان تسبب له ضرر، لكن عند ضعف الجهاز المناعي - خاصة عند الاصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسب AIDS - للإنسان أو عند انتقالها من مكان لآخر في جسم الإنسان تصبح الميكروبات انتهازية وتتطفل على جسم الإنسان مسببة له الامراض (العدوي الانتهازية).

تعد البكتيريا هي أكثر الميكروبات انتشارا حيث يقدر عدد البكتيريا وحدها بما يتراوح بين 75 تريليون و200 تريليون، في حين يتكون جسم الإنسان بأكمله من نحو 50 تريليون إلى 100 تريليون من الخلايا الجسدية. 

يحتوي جسم الإنسان على 10-100 تريليون نوع من الميكروبات المختلفة في مختلف انحاء الجسم، فهي توجد على الجلد، الفم، الحلق، الانف، المجري البولي، المعدة، الامعاء، الخ.
 كما اثبتت الدراسات الحديثة وجود الميكروبات في مجري الدم لأشخاص اصحاء[و تنتشر معظم الميكروبات في الامعاء وعلى جلد الإنسان .

الميكروبيوم المعوي ( Gut microbiome): -


هو مجمل الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الجهاز الهضمي من بكتيريا وفيروسات وفطريات وكائنات اولية و يشمل الميكروبيوم المعوي البكتيريا النافعة (تعيش في علاقة تبادل منفعة commensalism) والبكتيريا الضارة وبعض الفيروسات (البكتيريوفاج).

 توجد البكتيريا اللاهوائية في القولون  وتنقسم البكتيريا المعوية إلى أربع طوائف وهي متينات الجدار (Firmicutes)، العصوانيات (Bacteroidetes)، الشعاعيات (Actinobacteria) والمتقلبات (Proteobacteria)، تمثل طائفة متينات الجدار (Firmicutes)، وطائفة العصوانيات (Bacteroidetes) 90% من الميكروبيوم المعوي. تتضمن طائفة المتقلبات (Proteobacteria) بعض المجموعات المسببة للأمراض المعروفة، مثل بكتيريا المعوية (Enterobacter)، Helicobacter، Shigella، وSalmonella، وكذلك Escherichia coli، وتتضمن طائفة Actinobacteria phylum أنواع Bifidobacterium bifidum، والتي تفيد عمومًا الأفراد الأصحاء.

توجد الميكروبات في امعاء الإنسان منذ ولادته ويزداد تنوعها سريعا حتى أول عامين من عمره ثم تبدأ في الاستقرار في عامه الثالث. تلعب العوامل المختلفة من طريقة الولادة (طبيعية أو قيصرية)، طريقة الرضاعة (حليب طبيعي أو صناعي)، مكان المعيشة والتغيرات البيئية، النظام الغذائي (حمية غذائية)، والتوتر والأدوية التي نتناولها، مثل المضادات الحيوية دور في التنوع الميكروبي مع تقدم العمر مما يدل على ان الميكروبيوم البشري دائم التغير.

التأثيرات الايجابية للميكروبيوم المعوي على صحة الإنسان: -

تلعب الميكروبات المعوية دور هام في عملية الهضم حيث تقوم الميكروبات بتكسير المواد الغذائية لكي تحصل على الطعام، كما يساعد على هضم حليب الام في الأطفال، تخليق الانزيمات والفيتامينات والأحماض الأمينية، وإنتاج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFAs). 
كما تعتبر منتجات التخمير الثانوية، الأسيتات، البروبيونات، والبوتيرات مهمة لصحة الأمعاء كما انها توفر الطاقة للخلايا الطلائية (Epithelial cell)، وتعزز سلامة الحاجز الطلائي، وتحفز الجهاز المناعي من خلال التواصل مع الخلايا المناعية والحماية ضد مسببات الأمراض حيث تمنع البكتيريا الضارة من الاستعمار .

 تلعب العصيات اللبنية (Lactobacilli) في الامعاء دور هام في تقليل الكوليسترول عند تناوله كبروبيوتيك، كما وجدت دراسة حديثه أجريت على 1500 شخص أن الميكروبات المعوية لعبت دورًا مهمًا في تعزيز الكوليسترول (HDL) والكوليسترول الثلاثي الدهون مما يؤثر على القلب ايجابيا.

 قد يساعد الميكروبيوم المعوي أيضًا في التحكم في نسبة السكر في الدم، مما قد يؤثر على خطر الإصابة بداء السكري من النوع 1 و2 
و يساعد الميكروبيوم المعوي في صحة الدماغ، فقد اثبتت الدراسات ان القناة الهضمية ترتبط جسديًا بالدماغ من خلال ملايين الأعصاب لذلك، قد يؤثر الميكروبيوم المعوي أيضًا على صحة الدماغ من خلال المساعدة في التحكم في الرسائل التي يتم إرسالها إلى الدماغ من خلال هذه الأعصاب، كما يمكن أن تساعد بعض أنواع البكتيريا في إنتاج مواد كيميائية في الدماغ تسمى الناقلات العصبية مثل السيروتونين وهو ناقل عصبي مضاد للاكتئاب يصنع في الغالب في الأمعاء. 

التأثيرات السلبية للميكروبيوم المعوي على صحة الإنسان: -

قد تساهم بعض الأنواع غير الصحية من ميكروبات الأمعاء أيضًا في الإصابة بأمراض القلب عن طريق إنتاج مادة ثلاثي الميثيل أمين N- أكسيد (TMAO) والتي تساهم في انسداد الشرايين مما قد يؤدي إلى نوبات قلبية أو سكتة دماغية، كما ان بعض البكتيريا داخل الميكروبيوم تحول الكولين وL-carnitine، وكلاهما من العناصر الغذائية الموجودة في اللحوم الحمراء وغيرها من مصادر الأغذية الحيوانية، إلى TMAO، مما قد يزيد عوامل الخطر لأمراض القلب.

أظهر عدد من الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة لديهم أنواع مختلفة من البكتيريا في أحشائهم، مقارنة بالأشخاص الأصحاء .

كيفية تحسين الميكروبيوم المعوي لتجنب الاصابة بالأمراض: -

 يساعد التنوع الغذائي على تنوع الميكروبات مما يزيد من صحة الامعاء حيث :
  •  تحتوي البقوليات والفاصوليا والفاكهة على الكثير من الألياف ويمكن أن تعزز نمو البكتيرياsp. Bifidobacterium الصحية .
  •  تناول الأطعمة المخمرة مثل الزبادي ومخلل الملفوف حيث تحتوي جميعها على بكتيريا صحية، وخاصة العصيات اللبنية (Lactobacilli)، ويمكن أن تقلل من كمية الأنواع المسببة للأمراض في الأمعاء .
  • الحد من تناول الحلوى الصناعية: أظهرت بعض الأدلة أن الحلوى الصناعية تزيد من نسبة السكر في الدم عن طريق تحفيز نمو البكتيريا غير الصحية مثل Enterobacteriaceae في ميكروبات الأمعاء.
  •  تناول الأطعمة التي تحتوي على البريبايوتك: تعتبر البريبايوتك نوعًا من الألياف التي تحفز نمو البكتيريا الصحية. من الأطعمة الغنية بالبريبايوتيك الخرشوف والموز والهليون والشوفان والتفاح.
  • الرضاعة الطبيعية لمدة ستة أشهر على الأقل مهمة جدًا لتطوير ميكروبات الأمعاء فالأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية لديهم بكتيريا Bifidobacterium أكثر فائدة من أولئك الذين يرضعون صناعيا .
  • تناول الحبوب: تحتوي الحبوب على الكثير من الألياف والكربوهيدرات المفيدة مثل بيتا جلوكان، والتي يتم هضمها بواسطة بكتيريا الأمعاء لفائدة الوزن ومخاطر السرطان والسكري وغير ذلك من الاضطرابات .
  • تساعد النظم الغذائية النباتية على تقليل مستويات البكتيريا المسببة للأمراض مثل Escherichia coli، وكذلك الالتهابات والكوليسترول .
  • تناول الأطعمة الغنية بالبولي فينول: البولي فينول عبارة عن مركبات نباتية موجودة في النبيذ الأحمر والشاي الأخضر والشوكولاتة الداكنة وزيت الزيتون والحبوب. يتم تفتيتها بواسطة الميكروبيوم لتحفيز النمو البكتيري الصحي.
  • تناول بروبيوتيك: البروبيوتيك هي بكتيريا حية يمكن أن تساعد في استعادة الحالة الصحية للأمعاء بعد حدوث الخلل الميكروبي لها dysbiosis .
  • تناول المضادات الحيوية عند الضرورة فقط: تقتل المضادات الحيوية العديد من البكتيريا المفيدة والضارة في ميكروبات الأمعاء، مما قد يساهم في زيادة الوزن ومقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية .
الخلل الميكروبي المعوي (Gut dysbiosis): -
 هو عدم توازن الميكروبات في الجهاز الهضمي، حيث تخرج مستعمرة بكتيرية عن معدل النمو الطبيعي لها وفي كثير من الحالات يتم معالجة الخلل بواسطة الجسم دون علاج. 

يحدث الخلل الميكروبي المعوي عادة نتيجة: -
  •  تغيير النظام الغذائي والذي يحتوي على نسب كبيرة من البروتينات والسكريات.
  •  المواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية الموجودة على الاطعمة غير المغسولة جيدا .
  •  تناول المشروبات الكحولية أكثر من مرتين في اليوم.
  • النمو المفرط للبكتيريا في الامعاء الدقيقة (Small intestinal bacterial overgrowth (SIBO)) وتكرار علاجه بواسطة المضادات الحيوية قد يؤدي إلى خلل ميكروبي مزمن (Chronic dysbiosis).
  •  تساعد قلة نظافة الاسنان على النمو المفرط للبكتيريا في الفم مما يؤدي إلى حدوث خلل .
  •  يساهم التوتر والقلق الزائد في اضعاف جهاز المناعة[. 
  • قد يتعرض الإنسان للبكتيريا الضارة من خلال ممارسة الجنس دون وقاية .
من اهم اعراض الخلل الميكروبي: -
  • رائحة الفم الكريهة
  •  اضطراب المعدة (قد يكون مؤقت)
  • غثيان
  • إمساك
  •  إسهال
  •  صعوبة في التبول
  •  حكة المهبل أو المستقيم
  •  انتفاخ
  •  ألم الصدر
  •  طفح جلدي أو احمرار
  •  إعياء
  •  صعوبة في التفكير أو التركيز
  • القلق
  • والكآبة
طرق تشخيص الخلل الميكروبي: -
يتم تشخيص الخلل الميكروبي بواسطة ثلاث اختبارات وهي اختبار تنفس الهيدروجين (Hydrogen breath test)، اختبار الاحماض العضوية (Organic acids test) وتحليل البراز الهضمي الشامل (comprehensive digestive stool analysis).

1- اختبار تنفس الهيدروجين (Hydrogen breath test): -

يستخدم هذا الاختبار للكشف عن فرط نمو البكتيريا المعوية (SIBO) وسوء امتصاص الكربوهيدرات (السكريات: سكر اللاكتوز، الفركتوز، السكروز والسوربيتول)كما يمكن ان يستخدم في تشخيص مرور الطعام السريع أو البطيء عبر الأمعاء الدقيقة. 

فكرة عمل الاختبار: عادة ما تنتج البكتيريا في الأمعاء غاز الهيدروجين عند تخمير الكربوهيدرات عندما لا يتم امتصاص الكربوهيدرات الغذائية في الأمعاء الدقيقة وتبقى كمادة غير مهضومة في أثناء انتقالها على طول الجهاز الهضمي إلى الأمعاء الغليظة، حيث يتم امتصاص معظم الغاز عبر بطانة الأمعاء الغليظة إلى مجرى الدم، ثم يتم نقل الغاز إلى الرئتين عن طريق مجرى الدم ومن الدم يتم تبادله في الشعب الهوائية للرئتين ويتم نفخه. يمكن قياس كمية غاز الهيدروجين الذي يتم إخراجه من الرئتين بسهولة عن طريق أخذ عينة من التنفس وقياسها بواسطة آلة اختبار التنفس .

التحضير لاختبار تنفس الهيدروجين: 
  • عدم تناول المضادات الحيوية وتجنب تناول بيبتوبيسمول لمدة 4 أسابيع قبل الاختبار.
  •  عدم تناول أي مضادات للحموضة والمسهلات قبل اسبوعين من الاختبار
  •  عدم تناول أي أطعمة بطيئة الهضم (مثل الحبوب والنخالة والحبوب الغنية بالألياف) وتجنب المشروبات الحلوة مثل الصودا لمدة 24 ساعة قبل الاختبار ويجب اتباع نظامًا غذائيًا منخفض الألياف.
  • عدم تناول أي مكملات من الألياف وملينات قبل 24 ساعة من الاختبار
  • الصيام لمدة 12 ساعة قبل إجراء الاختبار.
  •  عدم التدخين والنوم لمدة ساعتين قبل وأثناء الاختبار وعدم ممارسة التمارين الرياضية.
2- اختبار الاحماض العضوية (Organic acids test): -

 يستخدم هذا الاختبار لقياس مقدار العديد من الأحماض العضوية غير الطبيعية في البول والتي تدل على ان الشخص مصاب بمرض مزمن ويستخدم اختبار الأحماض العضوية أيضًا لمعرفة مستويات الفيتامينات والمعادن، والإجهاد التأكسدي، ومستويات الناقل العصبي، وهو الاختبار الوحيد الذي يتضمن علامات للأوكسالات، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من الأمراض المزمنة. 

يشمل اختبار الاحماض العضوية فحص الاحماض العضوية الميكروبية والتي تدل على نواتج عمليات الايض للخميرة والبكتيريا. تدل القيم المرتفعة للاختبار على حدوث خلل ميكروبي للبكتيريا والخميرة .

3- تحليل البراز الهضمي الشامل (comprehensive digestive stool analysis)

طرق علاج الخلل الميكروبي: -

تعتمد طريقة علاج الخلل الميكروبي على سبب حدوثه، فاذا كان سبب المرض: -
  •  تناول المضادات الحيوية: يتم توقف تناولها لحين الشفاء .
  •  الحمية الغذائية: يتم اتباع نظام غذائي يحتوي على فيتامينات B المعقدة، مثل B-6 و B-12، الكالسيوم، الماغنيسيوم، بيتا كاروتين، زنك. تناول الخضر الورقية الداكنة مثل السبانخ واللفت، الأسماك مثل سمك السلمون والماكريل، واللحوم الطازجة ويجب تجنب تناول بعض الاطعمة وهي اللحوم المصنعة، مثل اللحوم اللذيذة واللحوم المملحة أو المعلبة، الكربوهيدرات في الذرة أو الشوفان أو الخبز، بعض الفواكه مثل الموز والتفاح والعنب، منتجات الألبان، الأطعمة الغنية بالسكر مثل شراب وسكر القصب الخام .
  •  يساعد تناول البروبيوتيك والبريبايوتيك أيضًا في الحفاظ على توازن بكتيريا الأمعاء حيث تحتوي هذه المكملات على مزارع بكتيريا محددة يمكنك تناولها أو شربها أو اخذها كأدوية .
 يعتبر الخلل الميكروبي عامل لظهور بعض الامراض الأخرى عند اهماله وعدم علاجه، من هذه الامراض السمنة المفرطة، داء السكري من النوع 2 (T2D) وأمراض القلب والأوعية الدموية، متلازمة القولون العصبي، التهاب القولون، مرض الاضطرابات الهضمية، متلازمة ارتشاح الأمعاء، الأمراض الجلدية مثل الأكزيما، مرض الكبد، الخرف المتأخر، مرض الشلل الرعاش، التهاب الامعاء والمسالك البولية وسرطان القولون أو المستقيم. 

المراجع: -

هناك تعليق واحد: