شغف العلم الذي لا ينتهي

لماذا لا يُفسد العسل كباقي الأطعمة تعرف على السبب

لماذا لا يُفسد العسل كباقي الأطعمة؟ 

بقلم منة الله صفوت سعد
مراجعة و تدقيق/ د.هبة هاشم-دكتورة الكيمياء العضوية-قسم الكيمياء-جامعة عين شمس

لماذا لا يُفسد العسل كباقي الأطعمة تعرف على السبب


التركيب الكيميائي لعسل النحل و فوائده الطبية


لا يغفل أحد عن فوائد عسل النحل التي لا حصر لها، و إعجاز العسل الطبي و ذكر أهميته في القرآن الكريم أنه "فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ".
لكن ما السر العلمي وراء هذا الإعجاز؟ و هل العسل فقط دونا عن باقي منتجات النحل يحظوا بذاك الأهمية البالغة؟ و ما السر وراء التركيب الكيميائي لعسل النحل؟
الحقيقة أن عالم النحل كاملًا ملئ بالأسرار و الإعجازات الإلهية التي لا حصر لها، بداية من كيفية إنشاء النحل لخليته مرورًا بعملية جمع الرحيق و إنتاجه للعسل و باقي منتجات النحل من شمع و صمغ و سُم النحل التي لها أيضا أهميه بالغة.
إن الكلام في هذا الموضوع لا يكفيه مقالة أو اثنين، بل يحتاج إلى مئات المقالات.

و لكن أود أن أوضح هنا بعض الأسرار الكيميائية وراء عسل النحل ، و تأثيره في المجال الطبي العلاجي و الوقائي الذي يشمل أمراض السكر و السرطان و أمراض الجهاز الهضمي و الأمراض المناعية و الدراسات الأخرى الحديثة التي لم تنته بعد من دراسة تأثير بعض منتجات النحل على فيروس كورونا المستجد COVID-19
من المعروف لدى الكثير أن عسل النحل يتكون أساسًا بنسبة 80% تقريبًا من الكربوهيدرات (%34 جلوكوز و 40% فركتوز) و الكثيرمنَّا يستخدمه كمُحلَّى غذائي.
لكن في الحقيقة هذه النسبة متغيرة، غير أن هناك الكثير من السكريات الأخرى و المواد الكيميائية التي يحتوي عليها عسل النحل و تَكسِبُه تلك الأهمية الطبيه و الغذائية.
فيحتوي العسل على الفيتامينات والمعادن و الأحماض الأمينية و الإنزيمات و الأملاح و بعض المواد العضوية التي تُسمى بولي فينولات  (polyphenols) تلك التي لها تأثير كبير كمضادات الأكسدة لعلاج أمراض السرطان و الأمراض الفيروسية.
و السؤال هنا هل هناك أنواع مختلفة من عسل النحل؟
بالطبع فهناك أنواع متعددة من عسل النحل لكل منها تكوين كيميائي يختلف باختلاف مصدر رحيق الزهورمن البيئة التي تنموا فيها و الموسم الذي تُثمر فيه.
فهناك نكهات و ألوان مختلفة من عسل النحل – من  الأصفر الباهت و البني المحمر إلى البني الداكن)، و تختلف أيضا لزوجته.
و نجد أن هذا التنوع في عسل النحل ناتج عن إختلاف المواد المعدنية و العضوية و نسبة وجودها في أنواع عسل النحل المختلفة.
فعلى سبيل المثال، العسل الجبلي (عسل السدر)، ذلك العسل الذي ينتجه النحل من رحيق أزهار شجر السدر في مناطق جنوب المملكة العربية السعودية يتميز باللون الداكن و المذاق القوي لزيادة نسبة المعادن فيه.
و هذا التنوع الكبير في عسل النحل من فضل الله علينا ، مما يجعل لكل نوع استخدامات طبية و علاجية مختلفة، فسبحان الله القائل "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ".
كما ذكرنا أن العسل يحتوي على فيتامينات و أهمها (فيتامين ب6، الثيامين، الريبوفلافين،...) و معادن (كالسيوم، حديد، مغنسيوم، بوتاسيوم، صوديوم،...) و بولي فينولات (مضادات الأكسدة) اكثر من 200 مادة تشمل فلافونيدات و فينولات و حمض الفينول، منها حمض الكافييك Caffeic acid، حمض الفانيليك Vanilic acid، كريسين Chrysin، جالنجين Galangin، حمض الجلوكونيك (Gluconic acid) و الذي يُعد أكثر الأحماض تواجدًا فى العسل، و ايضا حمض الفورميك و حمض الخليك و حمض اللاكتيك و حمض السيتريك و غيرهم الكثير، وأيضا يحتوي عسل النحل على البروتينات و الأحماض الأمينية ، و يوجد في العسل من 11 الى 21 نوع من الأحماض الأمينية المختلفة ومنها الألانين و الفينيل ألانين و الأيزوليوسين.
و هذه المواد يختلف أنواعها و نسبة وجودها من عسل لأخر،  فيمكن تقسيم أنواع العسل بناءًا على مصدرة إلى أربع أقسام أساسية:
-العسل الخام Blossom honey:: الذي يُنتج بشكل أساسي من رحيق الأزهار، يحتوي على نسب قليلة من المياه والسكريات الأحادية و بالتالي فهو لزج نسبيًا، وله قيمة غذائية عالية.
- عسل المن Honeydew: يُنتجه النحل الذي يتغذى على عصارة الاشجار، حيث يقوم النحل بجمع إفرازات حشرات (تابعة إلى جنس رينكوتا Rhynchota) إذ تهضم هذه الحشرات عصارة النباتات و تعيد إفرازها مرة أخرى على النباتات)، و يتميز هذا العسل بوجود نسبة أعلى من الفينولات و مضادات الأكسدة و نسبة أقل من السكريات الأحادية.
- عسل أحادي الزهرة Monofloral honey: ينتجه النحل من رحيق نوع واحد من الزهور، و من أشهر هذا النوع [عسل منوكا Manuka Honey] الذي له العديد من الدراسات في علاج الجروح و القرح.
- عسل متعدد الأزهار Polyfloral Honey: ينتجه النحل من رحيث أزهار متعددة و لذلك  فهو يتميز بوجود نسبة أعلى من مركبات الفينولات و الفلافونيدات.
و يمكن تقسيم أنواع العسل أيضا تبعًا لنوع الزهور المأخوذ منها الرحيق، و هذه الأنواع كثيرة جدًا و تختلف فيها المواد الكيميائية بنسب تؤدي إلى اختلاف النكهات و الألوان و اختلاف الفوائد الطبية و القيمة الغذائية أيضًا، و أشهر هذه الأنواع:
عسل البرسيم (clover honey): أحد اشهر أنواع العسل و يحتوي على نسبة عالية من السكريات و نسبة قليلة من الأحماض، كما أنه يحتوي على نسب عالية من الفلافونيدات (Flavonoids) و بولي فينولات (Polyphenols)، يعد مضاد جيد للأكسدة و يتميز بلونه الاصفر الكهرماني.
عسل الحنطة السوداء (Buckwheat): و يحتوى على نسب عالية من مضادات الأكسدة و مضادات البكتريا أيضا لذلك يستخدم فى الضمادات المستخدمة في علاج الجروح و الحروق، كما أنه  يساعد في علاج الكحة و ألام الحلق، و يحتوي أيضا على العديد من الأحماض الأمينية و البروتينات و لذلك هو عسل حامضي ذو لون أصفر غامق.
سنط صمغ الشجر (Acacia Honey): يتميز هذا النوع بطعمه الحلو حيث يحتوي على نسبة عالية من الفركتوز بالنسبة للجلوكوز، يحتوي على نسبة جيدة من الفلافودينات (Flavonoids) و نسبة عالية من فوق أكسيد الهيدروجين (Hydrogen peroxide) و الذي يعمل كمضاد للبكتريا، لذلك يستخدم بعض الناس هذا النوع للقضاء على حب الشباب و بعض الأمراض الجلدية المختلفة، ويتميز بلونه الأصفرالفاتح و قوامه الخفيف.
عسل زهرة البرتقال (Orange Blossom Honey): يعد هذا النوع من أكثر الأنواع أنتشارًا لتوفر أزهار البرتقال في معظم الدول. و هو عسسل خفيف ذو نكهة البرتقال و رائحة الفاكهة، و يحتوي عسل زهرة البرتقال على العديد من مضادات الأكسدة و مضادات الألتهابات التي تعمل على رفع مستوى المناعة في الجسم. 
عسل شجرة الكينا (Eucalyptus Honey): يحتوي هذا العسل على كمية كبيرة من فيتامين ج (Vitamin C) و فيتامين ب9 (Vitamin B9). يستعم هذا النوع من العسل لعلاج عدوى الجهاز التنفسي العلوي، حيث يعمل على تقليل الأحتقان و طارد للبلغم. يتميز عسل شجر الكينا برائحته النفاذه و لونه الأصفر الغامق.
كيف ينتِج النحل العسل؟؟
و لكي يصل العسل إلينا بشكلة المعروف فإنه يُمر بالعديد من المراحل، بإختصار هي  أخذ الرحيق من الأزهار بواسطة النحل العامل (شغالات النحل) و تصنيعة داخل المعده بواسطة إنزيمات معينة لتحويل السكريات الثنائية الى أحاديةـ و حيث أن الرحيق يحتوي على نسبة عالية من الماء فإن النحل يعمل داخل الخلية على تهوية العسل بواسطة أجنحتهم حتى يتبخر منه الماء ليتبقى نسبة ضئيلة حوالي (17%) ليصبح على شكلة المعروف لنا.
و بعد معرفتنا بهذه المعلومات نستطيع أن نجيب على سؤال لماذا لا يُفسد العسل؟
إن نظرنا في عملية إنتاج العسل فنجد أنه يتعرض للعديد من البكتريا و الفطريات من البيئة في كل المراحل.
حيث يحتوي الرحيق على الكائنات الدقيقة كالبكتريا و غيرها، و داخل معدة النحل حيث وجِدَت نسب من الكائنات الدقيقة داخل النحل أيضًا و أثناء نقلة و تغليفة ليصل إلى المستهلك، على الرغم من ذلك لا يفسد العسل.
هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك و كلها متعلقة بالتكوين الكيميائي للعسل:
أولًا: تعد نسبة المياه فى العسل أهم عامل من هذه العوامل حيث تكون نسبة المياه حوالي ١٧% كما ذكرنا، و هذه النسبة أقل بكثير من الموجوده فى البكتريا و الفطريات و بالتالي عن طريق الخاصية الأسموزية فإن الماء ينتقل من الوسط الأعلى كثافة إلى الوسط الأقل كثافة مما يؤدي إلى تثبيط هذه الكائنات، لذلك ينصح المختصون دائمًا الأمهات بعدم تخفيف العسل بماء الشرب العادي و إعطائه للأطفال الأقل من 12 شهر لأن ذلك يؤدي إلى تنشيط نوع من البكتريا Clostridium Botulinum مره أخرى فى الجسم مما يؤدي إلى بعض المشاكل، بخلاف الأطفال الأكبر سنًا  من ذلك فإن هذه البكتيريا لا تؤثر عليهم نتيجة طبيعة المعده و الهضم فى الأطفال الأكبرعمرًا عن سنة.
ثانيا: أحد الاسباب الأخرى هي النسبة الحامضية المرتفعة فى العسل, حيث تصل إلى PH=4 ، وترجع هذه النسبة إلى وجود العديد من الأحماض فى العسل مثل حمض الفورميك (formic acid)و حمض الخليك (citric acid) و حمض الجلوكونيك (gluconic acid) و الذي يعد أكثر الأحماض تواجدًا فى العسل لأنه ينتج من تفكيك الإنزيمات داخل النحل للجلوكوز الموجود فى العسل، هذه الأحماض و غيرها تعمل كمواد مضادة للبكتريا و التى تنمو غالبا فى بيئة متعادلة و لا تنموا  فى البيئات الحامضية .
ثالثا: هناك بعض المواد الأخرى المتواجدة فى العسل مثل بولي فينولات(polyphenols) و  فوق أكسيد الهيدروجين (H2O2) و الذي يُنتج أثناء تحلل الجلوكوز بالإنزيمات إلى حمض الجلوكونيك (Gluconic acid)، حيث يعمل فوق أكسيد الهيدروجين على تثبيط نمو البكتريا و قتلها، بالإضافة لبعض مضادات البكتريا الأخرى.
المجالات الطبية و العلاجية المختلفة لعسل النحل:
الفوائد الغذائية: هناك العديد من الفوائد الغذائية للعسل لإحتوائة على المواد المهمه للجسم مثل المعادن و الفيتامينات و البروتينات، كما أنه يحتوي على الكربوهيدرات و التي تمد الجسم بالطاقة، و على الرغم من احتواء العسل على نسب عالية من السكريات إلا أن الدراسات أثبتت أنه لا يسبب التسوس فى الأسنان مثل سكر السكروز (sucrose) على سبيل المثال، و ذلك لإحتوائه على مضادات البكتريا، كما أنه يمنع الترسبات على الأسنان و اللثة.
علاج أمراض السرطان و الجهاز المناعي ، لاحتواء العسل على العديد من مضادات الأكسدة مثل اكسيد الجلوكوز
(glucose oxidase) و حمض الاسكوربيك (Ascorbic acid) و الأحماض العضوية الاخرى. 
مضاد للبكتريا و الفطريات و الطفيليات المختلفة، لوحِظَ قدرة العسل على تثبيط البكتريا من نوع الموجب جرام (Gram positive) أكثر من سالبية الجرام (Gram negative)، و يمتلك العسل كلًا من القدرة على قتل أو تثبيط نمو البكتريا طبقا لنوعها. و قد أكدت دراسات قدرة العسل على تثبيط بعض أنواع الفطريات و الطفيليات أيضا، فيستخدم في علاج الجروح و القرح و الأمراض الجلدية كالاكزيما.
علاج مرض السكري و مضاعفاته.
مضاد للفيروسات: أثبتت بعض الدراسات قدرة العسل على تثبيط الكثير من الفيروسات مثل فيروس الحصبة الألمانية (Rubella virus)، و قد أُجريت بعض الدراسات الحديثة و الواعدة على تأثير بعض المواد الكيميائية على فيروس كورونا المستجد (COVID-19).
مضاد للإلتهابات: يعمل العسل على تقليل نسبة المواد التي تحفز الالتهاب مثل prostaglandins بنسبة حوالي ١٤% عند تناول ٧٠ جرام من العسل خلال ساعات قليلة، مما يساعد فى العديد من الأمراض مثل التهاب القولون و النقرس و غيرهما.
علاج  الحروق و الجروح حيث يساعد على سرعة التعافي كما أنه يمنع وصول الميكروبات لمكان الجرح،  و يستخدم فى العديد من منتجات التجميل لاحتوائه على مضادات الأكسدة و الفيتامينات التى تساعد على تقليل أعراض الشيخوخة و التفتيح و غيرها.
 في النهاية، إن الإعجاز الإلهي لعسل النحل لا ينتهي و تستمر الأبحاث العلمية إلى يومنا هذا  لاكتشاف باقي أسرار عسل النحل. و من المثير للإهتمام أيضا انه لم يصدر حتى اليوم أي تقارير عن وجود مقاومة للبكتريا َضد العسل مثل ما يحدث بالنسبة للمضادات الحيوية، و لذلك فإن إمكانية استبدال المضادات الحيوية بأنواع العسل المختلفة و السبيل إلى ذلك ما زال قيد الدراسة.

المصادر:
https://www.intechopen.com/books/honey-analysis/microorganisms-in-honey
https://www.researchgate.net/publication/337796963_Dissecting_the_Antimicrobial_Composition_of_Honey
https://www.researchgate.net/publication/23803275_Honey_for_Nutrition_and_Health_A_Review
https://www.researchgate.net/publication/342348058_Honey_as_a_potential_natural_remedy_against_COVID-19_pharmacological_insights_and_therapeutic_promises
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2269714/
https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1755-1315/333/1/012113/pdf

هناك تعليق واحد:

  1. عسل الحنطة السوداء وانواع اخرى متوفرة في أبوظبي 0567935273

    ردحذف