شغف العلم الذي لا ينتهي

هل يمكنك فهم نظرية النسبية

نظرية النسبية الخاصة


بقلم : مجدي عياد فرج

من النادر أن تحظي نظرية علمية متقدمة وغامضة نوعاً ما بالشهرة التي حظيت بها نظرية النسبية لألبرت اينشتاين ، فكثيراً ما تثير فضول المتخصصين والغير متخصصين وكثيراً ما استخدمت في أفلام الخيال العلمي في السفر عبر الزمان والتي تبدو درب من دروب الخيال إلا ان واقعيتها التجريبية بل وتطبيقاتها التكنولوجية منتشر بشكل كبير.

قد تكون عزيزي القارئ سمعت يوماً بأنه يوجد بضعة أشخاص في العالم هم من يفهمون تلك النظرية ، ولكن الخبر السار هو أن أي دارس يستطيع دراستها وفهمها لو اتقن أدواتها الرياضية واجتهد ، فهي بسيطه وأنيقة بغض النظر عن صدامها مع الحس المشترك والنظرة الكلاسيكية عن الزمان والمكان في حياتنا اليومية ، وسوف نستعرضها بشكل من البساطه دون تعقيد.

في ميكانيكا ما قبل النسبية كان ينظر الي الزمن والطول والكتلة كأشياء مطلقة ومستقلة عن الحركة ، أي لا تتأثر بها أو تتغير مع السرعة. وكان الفيزيائيين يستخدمون تحويلات جاليليو للسرعات في حساب السرعة النسبية بين مرجعين بينهم حركة نسبية ، فعلي سبيل المثال تخيل أنك تقود سيارة متجهه نحو الشمال بسرعة 50 كيلو متر لكل ساعه ويمر بجوارك قطار متجه إلي الجنوب بسرعة 50 كيلو متر لكل ساعة أيضاً ، فإن السرعة النسبية بين الكيانين وهما السيارة والقطار ترصد 100 كيلو متر لكل ساعه ، يبدو الأمر بديهي أليس كذلك ؟!

طرأت بعض الظواهر والحقائق التي اثارت الشكوك حول تلك القوانين والتي استخدمها اينشتاين بعقلية تحليلية مميزة حتي يعيد صياغة مفاهيم اساسية في الميكانيكا ويخرج بنظرة جديدة تماماً.

فبعد أن قدم ماكسويل نظريتة في الكهرومغناطيسية تبين أن سرعة الضوء هي ثابت كوني وقانون لابد أن يكون غير معتمد علي المرجع الاحداثي وإلا لم يعد قانون بتغيره مع الحركة. عند تطبيق تحويلات جاليليو للسرعات علي رصد سرعة الضوء تحدث الكارثة ، فتخيل في المثال السابق أن القطار يصدر ضوء بسرعته المعروفه 300 مليون متر لكل ثانية ، يجب أن الراصد من السيارة يري الضوء بسرعة أكبر قليلا من هذا الرقم علي عكس الراصد من القطار يجب أن يري الضوء يسبقه بسرعة أقل قليلاً من السرعة المذكورة تطبيقا لتحويلات جاليليو. إلا أن هذا يناقض نظرية ماكسويل الكهرومغناطيسية،  بل أن ثبات سرعة الضوء بغض النظر عن حركة الراصد ومصدر الضوء هي حقيقة تجريبية قام بإثباتها ميكلسون ومورلي عام 1886 اثناء تجربة لتقصي فكرة الايثار وهو الوسط التي تم افتراضه ليستضيف الذبذبات الكهرومغناطيسية ويمكنها من الانتشار خلاله وتبين لاحقاً أنها فرضية غير ضرورية.

قام عالم الرياضيات والطبيعة لورنز أحد المساهمين الأساسيين في تطوير نظرية النسبية بحل اللغز رياضياً حيث قام بإبتكار قانون تحويلات جديد لجمع السرعات والمعروفه بتحويلات لورنز ، فهي علي عكس تحويلات جاليليو تعتبر حد اقصي للسرعة في الكون وهو سرعة الموجات الكهرومغناطيسية ، وفي أعماقها يقبع واحدة من اكثر الأفكار جدلية وراديكالية في الفيزياء.
بني إينشتاين نظريتة النسبية الخاصه عام 1905 واعاد صياغه النظرة المتعلقة بالزمن والطول والكتلة علي تحويلات لورنز ، فعلي عكس النظرة القديمة ، أعتبر الزمن والطول أشياء غير مطلقة وتتغير بالحركة وتقاس مختلفة بالنسبة لمرجعين مختلفين بينهم حركة نسبية منتظمة ، أي ان الزمن يتمدد والطول ينكمش مع الحركة وتظل سرعة الضوء هي الثابت الكوني ، حسنا هل لم يعد هناك شئ مطلق لا يتأثر بالحركة ؟ بلي فالشئ المطلق هي المسافة الزمكانية في الفراغ الرباعي الأبعاد والذي يمثل مسرح الأحداث في كون إينشتاين ، فهي الشئ الذي يتفق عليه كل الراصدون من مراجع مختلفه بينها حركة نسبية منتظمة مع اتفاقهم علي سرعة الضوء.

هل هناك تناقض بين قوانين جاليليو وقوانين لورانز ، في الحقيقة ليس هناك من تناقض ، فالاولي هي حالة خاصة من الاخيرة ويمكن استخدامها كتقريب مقبول جدا عند التعامل مع سرعات منخفضه جدا مقارنة بسرعة الضوء.

من النتائج المترتبة أيضاً علي النسبية الخاصة هي كون الكتلة تتأثر بالحركة وتعتمد علي السرعة ومن هنا أتي مبدأ تكافؤ الكتلة والطاقة ، أي أن الكتلة هي صورة من صور الطاقة وهو المبدأ الذي تعمل من خلاله النجوم لإنتاج طاقتها الإشعاعية ، وان الطاقة يمكن أن تتجسد علي هيئة كتلة كما في ظاهرة انتاج ذوج من جسيم ومضاده عند سقوط فوتون جاما في مجال نووي ، ولا يخفي تطبيقات هذه المعادلة الشهيرة في الطاقة النووية.

لاحقاً بين عامي 1907 و 1915 قام اينشتاين بتعميم فكرتة لتشمل الأطر المرجعية التي تتحرك بحركة غير منتظمه (أي بعجلة) في نظرية النسبية العامة والتي فيها الزمكان رباعي الابعاد ينحني بسبب الكتلة/الطاقة علي عكس الفراغ رباعي الأبعاد المسطح الخاص بالنسبية الخاصه ، فهي تعد أول نظرية للجاذبية تبني علي مبادئ مختلفة تماماً عن نظرية نيوتن وبنيت علي ملاحظة ثاقبه وهي تكافؤ كتلة القصور الذاتي مع كتلة الجاذبية والتي ادرك من خلالها اينشتاين أن الامر لا يمكن أن يكون مجرد مصادفه.

حركة الاقمار الصناعية وتقنية GPS تأخذ في الاعتبار التأثيرات النسبية للحركة بسرعات عالية وإلا أخطأت في دقة بياناتها. والنجاح الأعظم للنظرية هو دمج النسبية الخاصة مع ميكانيكا الكم واكتشاف المادة المضادة والوصول لنظريات تفسر ثلاث قوي أساسية من أصل أربعة في الطبيعة من خلال إطار نظري يعرف بنظرية الكم للمجالات.

أخيراً يمكن تلخيص النسبية الخاصة في أربعة كلمات وهي: تناظر الزمكان تحت تحويلات لورنز.


مجدي عياد
باحث في مجال فيزياء الطاقات العالية

ليست هناك تعليقات