شغف العلم الذي لا ينتهي

نظرية الفوضي وتأثير جناح الفراشة

نظرية الفوضي وتأثير جناح الفراشة .....

بقلم : نظير الناقر

مراجعة علمية : مجدي عياد


نظرية الفوضي وتأثير جناح الفراشة
تأثير الفراشة

عام 1687 إكتشف إسحق نيوتن قوانين الحركة وأدي ذلك إلي ظهور إعتقاد أن العالم عبارة عن آلة ميكانيكية كبيرة وكل مايحدث في الكون من ظواهر له تفسير ما. مما يعني أن معرفة كل القوى والقوانين الرياضية التي تؤثر علي الأجسام من حولنا سيعطينا ذلك القدرة على معرفة وضع الجسم بالضبط في المستقبل.

عام 1814 قال العالم النجيب بيير لابلاس بأن كل ما في الكون هو نتيجة وضعه في الماضي , وصورة من وضعه في المستقبل . معني ذلك أننا إذا استطعنا معرفة القوي التي تؤثر في الكون سنستطيع التحكم في تلك القوي ومنها معرفة مستقبل النظام ككل وهنا بالضبط ظهر مفهوم ( الحتمية Determinism )

عام 1876 أتي العالم جيمس كليرك ماكسويل بمفهوم جديد وقال أن أي وضع جسم في المستقبل يعتمد علي وضعه الأولي وظروفه الأولية Initial Conditions ولكن وضع الجسم الأولي لن يؤثر كثيراً علي وضع الجسم في المستقبل .. على عكس ماقاله نيوتن أن وضع الجسم الأولي ليس له أي تأثير على وضع الجسم في المستقبل .
ويمكن أن نفهم الفرق بين رأي نيوتن وماكسويل من المثال التالي :

نأتي بكرتين ونرمي كلتاهما في مسارين مختلفين بنفس القوة وفي نفس الظروف من حرارة وضغط ورياح , ولكن الفرق الوحيد أن  مسار الكرة الثانية مائل بدرجة 0.23546 . هل تلك الزاوية الصغيرة ستؤثر علي مسار الكرة في المستقبل ؟
كان رأي نيوتن أنها لن تؤثر علي الأطلاق ونفي مفهوم ( الحساسية للظروف الأولية Sensitivity to initial conditioned )
وكان رأي ماكسويل أنها ستؤثر ولكنه تأثير غير ملحوظ ..
.
عام 1890 أرجع العالم ريمون بوانكاريه مفهوم الحساسية للظروف الأولية وقال أن وضع أي جسم في المستقبل يعتمد كلياً على ظروفه الأولية . وذكر دليل أن أقصى تنبؤ للطقس هو إسبوع ولا نستطيع أن نتنبأ بطقس السنة .
ومن هنا ظهر مفهوم نظرية الفوضي Chaos theory التي ببساطة تنص علي أنه من المستحيل التنبؤ بمستقبل أي نظام لأن التغيرات الطفيفة في ظروفه الأولية ستؤثر تأثير كبير جداً على ذلك النظام في المستقبل ..
.
عام 1960 عالم الرياضيات إدوارد نورتون لورنتز وضع طريقة لربط علم الرياضيات بعلم الطقس ومن ذلك قام بعمل نموذج حاسوبي للتنبؤ بالطقس .
كان ذلك النموذج يتكون من مجموعة من الأنابيب المفرغة وتوصيلات كهربية كبيرة وكان له " أزيز " مزعج وكانت ذاكرته صغيرة جداً وغير قادر علي محاكاة سرعة تغير الطقس علي الأرض .
كانت نتائج الجهازعبارة عن أرقام تطبع علي ورق من سلاسل من الصفر والواحد .

كان تساؤل لورنتز الدائم : لماذا لايمكن التنبؤ بالطقس بدقة ؟
وهل العلم يملك القدرة علي معرفة لغز الطقس هذا ؟
بناءاً على ذلك إستخدم كمبيوتر " رويال ماك بي " ووضع عليه بعض الصور للمناخ وتبدلاته وفقاً لــ 12 قانون كل قانون يتكون من بعض المعادلات التفاضلية , تعبر عن العلاقة بين الحرارة والضغط , الضغط وسرعة الرياح .
وصل لورنتز بنموذجه لمرحلة متقدمة , وكان سعيد حيث أن الأنماط نفسها تتكرر كل فترة , فقرر تبديل الأرقام بالحرف " i " بحيث أن ناتج النموذج سيكون عبارة عن تموجات من ذلك الحرف . وستكون القمم والقيعان الناتجة من التموجات توضح عملية سير الرياح الغربية وكيفية إنتشارها .

في يوم من عام 1961 كان لورنتز يريد تتبع بعض أنماط المناخ علي مدى زمني أوسع , أدخل الأرقام الخاصة بذلك , وترك الجهاز يعمل وحده بدون مراقبة منه , وذلك لأن الأنماط تتكرر ولن يظهر شئ جديد لذلك لايحتاج الجهاز لمراقبة .

الأنماط الجديدة التي أخرجها الجهاز أصابت لورنتز بصدمة , وظن أن الخلل في الكمبيوتر وبعد الفحص وجد أن الخلل ليس في الجهاز ولكن الخلل في الأنماط نفسها , كان لورنتز يريد إختصار وقت الإدخال للأنماط , كانت تلك الأنماط مكونة من 6 خانات بعد العلامة العشرية ( هكذا 1,235647 ) ولكن لورنتز إختصرها لثلاثة أرقام فقط بعد العلامة العشرية ( 1.236 ) , وأدى ذلك التغيير الطفيف إلي تغيير كلي في الأنماط التي أخرجها الجهاز .

ورجع مفهوم الحساسية للظروف الأولية Sensitivity To Initial Condition مرة أخري ولكن بمسمي أخر وهو
( Butterfly Effect تأثير جناح الفراشة ) .
أي أن أي تغير بسيط في المعطيات الأولية لأي نظام قد يؤدي إلي أحداث كبيرة

ومثال شهير علي ذلك :
ضاع مسمار في حدوة الحصان، وبضياع الحدوة ضاع الحصان، وبضياع الحصان ضاع الفارس، وبضياع الفارس ضاعت الرسالة، وبضياع الرسالة خسرنا المعركة، وبخسارتنا للمعركة ضاعت المملكة وتم احتلالها من الأعداء...

ليست هناك تعليقات